البقاء لله.. فى الوفاء والأخلاق

الخميس 01-07-2010 00:00

لا تحزن يا صديقى.. فالدنيا تغيرت.. وتغيرت أخلاق الناس فيها.. ولم يعد للنبل والوفاء مكان فيها.. من أيام جمعنى لقاء مع مجموعة من الزملاء نؤدى واجب العزاء فى زميل رحل عنا بعد رحلة مرض، دفع فيها سمير توفيق حياته ثمناً للاكتئاب النفسى الذى أصابه سنوات، رغم أنه «رحمه الله» كان نجماً ساطعاً فى عالم الأخلاق.. يتمتع بحلاوة اللسان وطيبة القلب.. وبشاشة الوجه.

وأسمع من زميل لى أن سمير قبل وفاته بأسبوع واحد.. نشر مشاطرة بمساحة كبيرة فى صفحة الوفيات بالأخبار يشاطر فيها رئيس المؤسسة الأحزان لوفاة شقيقته، وهو لا يعلم أن نفس المكان قد تم حجزه لنشر نعيه فى الأسبوع الذى يلى هذه المشاطرة.. وقد حدث ومات سمير توفيق وكعادة الزميل الأستاذ محمد بركات، رئيس تحرير «الأخبار»، فى وفائه مع زملائه، فقد نشر خبر وفاته مع صورته فى الصفحة الأولى.. وتم نشر نعى أسرته له فى صفحة الوفيات.

قلت لزميلى: هذه هى الدنيا.. فيها الطيب.. وفيها الانتهازى؟!

قال: للأسف.. لقد أصبحنا غرباء عن دارنا.. لك أن تتخيل أن يموت كاتب كبير داخل بيته ولا يجد تكريماً من أهل البيت.. هذا هو الذى حدث مع سمير توفيق، الذى كان رئيسا لتحرير أخبار الحوادث قبل المعاش.. والدكتور رفعت كمال رئيس تحرير كتاب اليوم الطبى قبل المرض.. فقد مات الاثنان ولكل منهما تاريخ.. ومع ذلك لم يذكرهما رئيس المؤسسة فى تعزية باسمه، أو باسم العاملين باعتبارهما من أبناء البيت.. لقد كانت صفحات الوفيات فى فترة وفاتهما من نصيب رئيس المؤسسة بسبب التعازى فى وفاة شقيقته.. بعد أن كثفت إدارة الإعلانات جهودها بالاتصال بالعملاء لنشر تعازى منهم لرئيس المؤسسة.. وأكيد منحتهم خصومات هائلة.. أو مساحات بالمجاملة.

قلت لزميلى: لماذا أنت مهموم بهذه القضية.. رجل مات وترك تاريخاً.. ورجل تنكر لهذا التاريخ.. فهذا هو حال الدنيا.. دنيا الإنسان فيها يستمد قوته من الكرسى.. وعندما تدعوه نفسه إلى ظلم الناس.. يبدأ بالتخلص من أساتذته وأبناء جيله، حتى لا يزاحموه أو لا ينغصوا عليه حياته عندما يذكرونه ببدايته.. وقد يكون ماضيه بلون حبر المطابع.. ولذلك فهو لا يحب الذين يذكرونه بماضيه!

قال زميلى: أنا معك يا صديقى.. فالناس يتغير جلدها عندما تتغير مواقعها وتجلس على الكرسى.. منهم من يصاب بالغرور فيدوس على الضعيف.. ومنهم من يميل للفشخرة والأبهة فتراه يبحث عن الشهرة.. ويتباهى بنشر صورته مع فنان أو فنانة.. والأمثلة تجدها كثيرة.. بين مرضى الكراسى.

قلت لزميلى: عليك أن تقتنع أننا فى بلد الكراسى.. ولا تنس حكاية كلب العمدة عندما مات فخرج أهل القرية لتعزية العمدة.. وعندما مات العمدة لم يطرق بابه أحد للتعزية.. وعليك ألا تنسى ما حدث مع الدكتور يسرى الجمل وزير التربية والتعليم، بعد أن ترك «الكرسى» فقد ماتت زوجته وكانت قاعة العزاء مقصورة على معارف وأقارب الأسرتين فقط.. أما المسؤولون فقد اختفوا.. التعازى لم تنشر بالحجم الذى كان متوقعاً وهو على «كرسى» الوزارة.

قال زميلى: ولماذا نذهب بعيداً وعندنا مثل حى.. رئيس إحدى المؤسسات الصحفية الحكومية.. انتهت فترة رئاسته لاستنفاده المدة القانونية حسب قانون المؤسسات الصحفية.. لكن رئيس المجلس الأعلى للصحافة رأى «غض البصر» عنه شهوراً لحين الانتهاء من ميزانية هذا العام، وأنا هنا لا ألومه فقد كان الرجل على حق فى هذا القرار.. ثم يشاء القدر وتأتى وفاة شقيقة رئيس المؤسسة «رحمها الله» وهو على «الكرسى».. فأخذ العزاء شكلاً آخر غير العزاء العادى.. كبير المصورين الذى كان المصور الخاص لرئيس الجمهورية وعاد إلى مؤسسته..

 كان يقف على مقربة من رئيس المؤسسة أمام قاعة العزاء.. يلتقط له صوراً تذكارية كلما عانق مسؤولاً أو وزيراً.. لدرجة أن الدكتور زكريا عزمى قد امتعض من تصويره أثناء تأديته واجب التعزية.. فهز كتف كبير المصورين وهو يحذره من استثمار الصورة، وكان واضحاً لبقية المعزين غضب الدكتور عزمى من التصوير.

قلت لزميلى: الذى أعرفه ويعرفه كل الناس إن الدكتور زكريا عزمى رجل عاقل جداً لا يحب المظهرة ولا الفشخرة.. وعندما يؤدى واجب العزاء فهو يؤديه بحكم موقعه كرئيس للديوان.. وكبرلمانى معروف.. إذن ليس بالضرورة أن تكون هناك صداقة بينه وبين أهل المتوفى.. لذلك كان من حقه أن يعترض على تصويره وهو يؤدى هذه المجاملة كمسؤول وليس كفنان.. ثم إن للدكتور زكريا مواقف عظيمة جداً يكفى أنه يوم وفاة شقيقه منع نشر أى تعزية له فى جميع الصحف واكتفى بتقبل العزاء.

قال زميلى: نتمنى أن نكون فى أخلاق هذا الرجل.. فهو يشغل منصباً رفيعاً قريباً من رئيس الجمهورية ومع ذلك تراه بسيطاً.. ليس منفوخاً أو مشدوداً.. ودوداً مع الناس حتى أصبح محبوباً بينهم.

قلت له: أتمنى أنا أيضاً أن يكون كل من يشغل منصباً قيادياً بأخلاقيات رجل مثل زكريا عزمى.. على الأقل أن يحترم من سبقوه فى العطاء.. يعمل على راحتهم.. ويلبى لهم احتياجاتهم، لكن ماذ نقول فى زمن انعدم فيه الوفاء.

قال: ومع كلٍ فأنا شخصياً لست على استعداد أن أتسبب فى غضب أحد.

قلت: وأنا مثلك، فالاعتذار واجب، حتى ولو كنت صاحب الحق.. وأذكر أننى أرسلت رسالة اعتذار من أسبوع بالتليفون لصديق حتى ينام هادئاً خوفاً عليه من الزعل.. رغم أننى كنت على حق، وللأسف اعتبر اعتذارى ضعفاً.. وتجاهل الرد.. ومع ذلك لم أغضب لأنه حال الدنيا يا صديقى.

ghoneim-s@hotmail.com