التطرف الشيعي والسنّي وخدمة الحلم الإسرائيلي

إبراهيم البحراوي الإثنين 30-06-2014 23:08

أعتقد أن معظمنا أصبح يدرك أن الحلم الإسرائيلى بالتخلص من مخاطر تكرار حرب أكتوبر وزلزالها المدمر لا يمكن أن يتحقق بدون عوننا ومساعدتنا. بعد سنوات قليلة من تلك الحرب بدأ العقل السياسى والاستراتيجى في إسرائيل في البحث عن حلول جذرية لمصادر الخطر القادم من مصر وسوريا والمدعوم بالدول العربية الأخرى وثرواتها وجيوشها.

وجد بلوماسى إسرائيلى بداية الخيط في فكرة مساعدة التناقضات السلالية والدينية في الدول العربية على النشاط والحركة، لتعمل على تفتيت الدول الوطنية المركزية إلى كيانات صغيرة هزيلة. لقد نشر الدبلوماسى عوديد ينون فكرته في مجلة الحركة الصهيونية العالمية «كفونيم»، بعد سنوات قليلة من الحرب في فبراير 1982.

طبعاً تعرضت الفكرة للتنقيح والتطوير من جانب مراكز الفكر السياسى الإسرائيلى، وتولت الحكومات الإسرائيلية وأجهزتها تحويل الفكرة إلى خطة عمل، راحت تقنع بها الإدارات الأمريكية التي تعتبر حماية أمن إسرائيل وأطماعها جزءاً من أمن الولايات المتحدة القومى.

قبل أن أصل بكم إلى اللحظة الراهنة التي بدأت فيها إسرائيل في قطف ثمار حلمها دعونا نراجع بعض الوقائع التي تبين الدور الذي لعبه التطرف الدينى السنى والشيعى في إيصال الحلم الإسرائيلى إلى حيز الواقع المتعين:

1- لقد ظلت الإدارات الأمريكية عازفة عن التجاوب مع الفكرة الإسرائيلية لتفتيت الدول العربية إلى أن حكمتها إدارة بوش الابن، التي سيطر عليها المحافظون الجدد بميولهم الاستعمارية وتطرفهم في تأييد الأطماع الإسرائيلية. إن ما منح هذه الإدارة فرصة البدء في تنفيذ مخطط الحلم الإسرائيلى باحتلال العراق كان سلسلة من التصرفات العربية، بدأت بغزو الكويت من جانب صدام حسين، ووصلت بعد ذلك بعشر سنوات إلى الهجوم على نيويورك وواشنطن عام 2001 من جانب تنظيم القاعدة السنى.

2- ورثت إدارة أوباما إنجاز احتلال العراق وتفكيك جيشه وفتح الطريق أمام نزعة الانفصال الكردية وتمهيد الواقع لسيطرة شيعية جائرة ومتحالفة مع إيران على أهل السنة في العراق. هناك من يعتقد في الولايات المتحدة أن التطرف الشيعى أقل خطراً على الأمن الأمريكى من التطرف السنى.

3- قررت إدارة أوباما استخدام أسلوب الفتنمة في الدول العربية، فسحبت جيشها من العراق وسلحت الجيش العراقى الجديد الذي تكون في معظمه من عناصر شيعية راحت تمارس القمع ضد أهل المناطق السنية. إن هذا التطرف الشيعى ضد السنة هو الذي يفسر ترحيب أهل الموصل بقوات داعش والقوات المتحالفة معها من عشائر السنة الثائرة ضد حكم المالكى الطائفى ومن كتائب جيش الطريقة الصوفية النقشبندية الذي كونه عزت الدورى، نائب صدام حسين، أحد أتباع الطريقة.

4- من الواضح أن أشقاءنا في دول الجزيرة العربية كانوا أكثر إحساساً منا بمخاطر هذا التطرف الشيعى واحتمال تمدده إلى بلدانهم بدعم إيرانى من ناحية ولخدمة أهداف التوسع الإيرانى من ناحية ثانية.

5- هناك تصورات، مدعومة بوقائع، أن تطرف داعش بعد انتصارها في الموصل سيؤدى إلى انفصال المنطقة السنية في نهاية المطاف وهو ما يترتب عليه تلقائياً سيطرة إيران المباشرة على المنطقة الشيعية، وصولاً إلى البصرة في الجنوب.

6- لقد أدى انتصار داعش إلى إثارة موجة من القلق في دول الجزيرة العربية من مخاطر هذا التطرف السنى وتمدده إلى داخلها، ووصلت هذه الموجة إلى الأردن ومناطق السلطة الفلسطينية، وهو ما يطرح تساؤلاً حول دوافع المالكى لاتهام السعودية بأنها تقف خلف داعش.

7- دعونا الآن ننظر لنرى الثمار التي تتساقط في أيدى إسرائيل. لقد نشر مركز بحوث الأمن القومى في إسرائيل دراسات عديدة حول التطورات في سوريا والعراق وآثارها، من بينها دراسة أخيرة تحت عنوان «الانعكاسات الاستراتيجية لتفتت العراق» بقلم عوديد عاران ويوئيل جوجينسكى. أبرز الباحثان أمرين، الأول أن تكريس انفصال المنطقة السنية سيعنى ابتلاع إيران تماماً للمنطقة الشيعية، والثانى أن خطر داعش سيصل إلى الأردن والضفة الغربية.

في تقديرى أن مثل هذه التحليلات تصل إلى صناع القرار السياسى في إسرائيل، بدليل أن رئيس حكومة نتنياهو قد سارع إلى البناء على هذا التحليل. فلقد أرسل ثلاث رسائل إلى كل من أوباما ومحمود عباس وملك الأردن، الفكرة الأساسية فيها أن الجيش الإسرائيلى هو الجيش الوحيد في المنطقة القادر على ضمان أمن الأردن والضفة الغربية. ترتيباً على هذا يقترح نتنياهو في رسائله أن يوافق الجميع على استمرار وجود الجيش الإسرائيلى وخط حصونه الممتدة على طول شاطئ نهر الأردن في الضفة الغربية. إن نتنياهو بهذا يوظف المخاوف الناتجة عن تطرف داعش لخدمة أطماعه التوسعية التي سبق أن رفضها العرب، والممثلة في السيطرة على سهل البقاع وشاطئ نهر الأردن، في أي تسوية سياسية للقضية الفلسطينية.

اليوم يطرح نتنياهو هذه الأفكار باعتباره حائط صد أمنياً لحماية الأردن والضفة. في الوقت نفسه يعلن قائد سلاح الجو الإسرائيلى استعداده للتدخل في العراق لضرب داعش. الخلاصة أن التطرف الشيعى في العراق فتح الباب للتطرف السنّى ومكن له وأن الاثنين معاً فتحا باب الأطماع الإسرائيلية أكثر وأكثر وأكثر.

info@bahrawy.com