الحدود «العراقية- السورية».. موطن دولة «داعش» الإسلامية (تقرير)

كتب: الأناضول الإثنين 30-06-2014 11:05

كانت الحدود «العراقية - السورية» تمثل هاجسا كبيرا لبغداد على مدى السنوات الماضية في أعقاب إسقاط النظام العراقي السابق في 2003 على يد قوات دولية قادتها الولايات المتحدة الأمريكية.

ومثلت تلك الحدود، الوجهة الرئيسية لتسلل متشددين إسلاميين من تنظيم «القاعدة» إلى العراق لشن هجمات شرسة ضد القوات الأمريكية والجيش العراقي، أوقعت خسائر كبيرة في صفوف القوات الأجنبية والمحلية على حد سواء، فضلا عن المدنيين.

ووجهت بغداد أصابع الاتهام إلى سوريا بتسهيل دخول المتشددين إلى العراق، في إطار المعركة التي كانت تقودها دمشق وحليفتها طهران، من وراء الستار لإفشال المشروع الأمريكي الجديد في الشرق الأوسط وضرب قواتها في العراق.

إلا أن هذا الواقع تبدَّل بصورة جذرية عند اندلاع الانتفاضة السورية، لإسقاط نظام الرئيس، بشار الأسد، في مارس2011، وتحولت مع مرور الأيام إلى حرب ذات طابع طائفي جذبت المقاتلين المتشددين من أنحاء العالم بما فيه العراق.

وشهدت الحدود حركة تسلل معاكسة من العراق إلى سوريا، عندما بدأ المتشددون الإسلاميون بالزحف نحو الأراضي السورية، وعلى رأسهم زعيم تنظيم القاعدة في العراق، أبوبكر البغدادي، والذي شكل تنظيما جديدا، في منتصف 2012 باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، (داعش).

وكان الإسلاميون المتشددون يتحركون بسهولة على طرفي الحدود بعد أن فقدت سوريا سيطرتها شبه الكاملة عليها، وسيطرت عليها قوات مناوئة للرئيس السوري، بشار الأسد.

ورغم أن العراق كثف نشر قواته على جانبه من الحدود مع سوريا، إلا أن افتقار الجيش العراقي إلى الخبرة ومعدات المراقبة الحديثة بما فيها سلاح الطيران وطول الحدود التي تمتد لـ600 كيلومتر، حال دون إحكام قبضة بغداد على الحدود، وأفسحت الثغرات المجال أمام تسلل المسلحين ذهابا وإيابا.

وتشكل إزالة الحدود بين طرفي الدولتين هدفا استراتيجيا لـ«داعش­» للوصول إلى غايته النهائية المتمثلة في إقامة خلافة إسلامية تمتد من البحر المتوسط في سوريا، وصولا إلى حدود إيران شرق العراق.

وقال الصحفي العراقي المتخصص في «الجماعات الجهادية»، مرتضى جابر «لا يوجد في مفهوم (داعش) أي حدود لذلك هو شرع في إزالتها بشكل رمزي وهو أمر بغاية الخطورة بالنسبة للدول العربية، وهذا يعني أن هذا التنظيم يريد إعادة رسم الخريطة».

ومنذ أواخر 2012 كثف المتشددون الإسلاميون من «داعش» هجماتهم في العراق وفتحوا ثغرات كثيرة في الحدود، بعد أن وجدوا لأنفسهم مواطئ قدم في الصحراء الغربية للعراق المتاخمة للحدود السورية.

وأتاح الهجوم الواسع الذي بدأه مسلحو «داعش» مطلع 2014، باجتياح مدن في محافظة الأنبار، غرب العراق، والسيطرة على المدينتين الرئيسيتين الفلوجة والرمادي، حرية أوسع للتحرك بين حدود البلدين.

إلا أن «داعش» ألغى الحدود تماما على امتداد مساحات شاسعة، في يونيو، بعد السيطرة على شمال العراق وغربه خلال هجوم واسع ومفاجئ، انهار على إثره الجيش العراقي، وما زال المتشددون يزحفون باتجاه الحدود الأردنية والسعودية، اللتين عززتا قواتهما على الحدود.

وأضاف «جابر» أن «سيطرة (داعش) على الحدود لا يخدم أي دولة في هذا الوقت لاسيما الدول المجاورة للعراق لأن تقسيم العراق يعني انتقال الوباء إلى جواره».

وفقد العراق السيطرة على معظم الحدود المشتركة مع سوريا في الأسبوعين الماضيين من ضمنها معبرين من أصل ثلاثة.

وكان معبر «ربيعة»،120 كيلومتر شمال غربي الموصل، أول معبر خسره في 10 يونيو الماضي، عندما سيطر مسلحو «داعش» وفصائل سنية أخرى على مدينة الموصل حيث فرت القوات العراقية من المعبر، وزحفت نحوها قوات البيشمرجة الكردية لتحكم قبضتها عليه.

وفقد العراق السيطرة على معبر آخر مع سوريا هو معبر «القائم» جنوبا على بعد نحو 350 كيومتر غرب مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار لصالح «داعش» منذ أيام قبل أيام قليلة.

ويطلق عليه من الجانب السوري اسم معبر «البوكمال»، وتحكم «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» قبضتها عليه.

ولم يتبق هناك إلا معبر واحد بيد الحكومة العراقية هو معبر «الوليد»، 350 كيلومتر غرب الرمادي، رغم أن أنباء تحدثت عن تأرجح السيطرة عليه بين «داعش» وحكومة بغداد في الأيام الماضية، ويسيطر عليه من الجانب السوري حكومة دمشق، ويسمى «التنف».

وفي حال تمكن المتشددون الإسلاميون من السيطرة عليه فستفقد حكومتا بغداد ودمشق خطاً استراتيجياً بينهما، في حين سيتمكن «داعش» من وصل دولتها وتمرير السلاح والرجال والعتاد بين البلدين بحرية تامة.

وقال المحلل الأمني والعسكري العراقي، عدنان نعمة إن «الحدود تمثل سيادة الدولة، ولها أهمية كبيرة وكانت أساس نزاعات كثيرة في المنطقة».

وأضاف «الحدود العراقية - السورية كانت مستباحة منذ 2003 ولم يستطع العراق ضبطها، وبقيت المسألة عائمة نظرا لعدم توفر الإمكانات المطلوبة لضبطها مما أتاح لتنظيم داعش ربط مناطق نفوذه من سوريا إلى العراق».

ولا تقتصر أطماع تنظيم «الدولة الإسلامية»، المسمى الجديد الذي أعلنه «داعش» على نفسه، الأحد، بعد إعلان دولة «الخلافة الإسلامية» في العراق وسوريا، عند الحدود «السورية – العراقية» فقد تحدثت تقارير مؤخرا عن محاولة مسلحيه التمدد صوب منفذ «طريبيل»، 575 كيلومترا جنوب غرب بغداد، الحدودي مع الأردن، ومنفذ «عرعر» مع السعودية.

إلا أن التصور السائد بأن ما أعلنه «داعش» عن توجهاته نحو الكويت والأردن، ليس إلا وهما نظرا لقوة الأجهزة الأمنية، فضلا عن عدم وجود البيئة الحاضنة التي تستند في الأساس على بؤر ساخطة ومناطق متوترة أمنيا.

وما أن سيطر «داعش» على الموصل حتى قام بنقل أسلحة وسيارات عسكرية أمريكية من طراز «همفي» استولوا عليها من الجيش العراقي إلى شرق سوريا لتعزيز جبهته هناك.

كما أزال المتشددون السواتر الترابية الموجودة على الحدود وفتحت معابر غير رسمية يمر عبرها السلاح بشكل يومي، بحسب ما رصدته التقارير.

وبات المسلحون يعبرون المنطقة الحدودية وكأنها غير موجودة في تطور يؤشر لظهور ملامح «الخلافة الإسلامية» التي يسعى لإقامتها المتشددون، وهو أقصى مخاوف دول إقليمية ودولية.

ويرى «نعمة» أنه «يمكن تصور نجاح (داعش) في إقامة إمارة إسلامية عابرة للحدود على المدى القصير لكن هذا الكيان لا يمكن أن يستمر طويلا»، دون أن يحدد حدود وشكل هذه الإمارة.

وقال إن «العراق سيتمكن من صد هجوم المتشددين وردهم على أعقابهم إذا ما رافق العمل العسكري تحرك سياسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية من شأنها مشاركة الجميع في اتخاذ القرار».

وكانت المعابر تشكل أهمية قصوى للنظام السوري في حربه مع فصائل المعارضة من جهة الإمدادات العسكرية وغيرها التي تصله من الجانب الإيراني وأطراف عراقية أخرى.

كما دخل آلاف المسلحين الشيعة من فصائل «عصائب أهل الحق» و«حزب الله العراقي» ، المدعومين من إيران وغيرهما عبر تلك المعابر إلى سوريا لمساندة نظام «الأسد» تحت شعار «حماية المراقد الشيعية المقدسة في سوريا».

وتحدثت المعارضة السورية وتقارير عن حركة معاكسة للميليشيات الشيعية من سوريا صوب العراق لصد الهجوم الكاسح لتنظيم «داعش» في العراق.

وهذه الأسباب وغيرها دفعت دمشق لشن غارة جوية على معبر «القائم» رغم اختلاف الروايات بشأن المكان المستهدف بالتحديد فيما إذا كانت داخل العراق أو سوريا.

لكن رغم ذلك رحب رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، باستهداف تنظيم «داعش» من قبل أي دولة ضمن أراضي بلاده حتى وإن كان من دون تنسيق مع بغداد.

وجاءت الغارة الجوية السورية رغم أن نظام دمشق أحجم على مدى أشهر طويلة عن ضرب أهداف واضحة لمسلحي «داعش» في شمال وشرق سوريا، في مسعى على ما يبدو لتمكينها من إضعاف فصائل أخرى أكثر اعتدالا.

ويبدو العراق كالغريق الذي يحاول التمسك بأي قشة، بعد أن أحجمت واشنطن عن الاستجابة لطلبه بشن غارات على المتشددين الإسلاميين، واكتفت بإرسال 300 مستشار عسكري في المرحلة الراهنة على أمل أن يشكل البلد جبهة سياسية متحدة عبر حكومة تضم جميع الأطراف لمواجهة «داعش».

ويرى «جابر» أن «القصف السوري لم يكن صدفة، فالحكومة العراقية تعتقد أنه مثلما يقاتل أجانب إلى جانب «داعش» فإنه لا ضير أن يقاتل أجانب إلى جانب الحكومة لذات الهدف».

ويعتقد أن هذا الأمر من شأنه «زيادة اتساع الاضطراب في المنطقة ومن الممكن أن ينتقل إلى الأردن لاحقا إذا ما شعر الأردن بخطر داعش وحلفائه فإنه سيتخذ خطوة مماثلة كالتي فعلها الطيران السوري»، بحسب الصحفي العراقي، الذي لا يتصور أن تحل مثل تلك الضربات الجوية المشكلة القائمة.