استعاد المصريون مصر مرتين بثورتين. المرة الأولى كانت بثورة يناير 2011 عندما استعاد المصريون مصر من حكم حسنى مبارك بعد فترة طالت لتصل إلى أكثر من ثلاثين عاماً، وكان مبارك حريصاً على استمرارها وعلى أن يورث ابنه العرش من بعده. ولكن ثورة يناير 2011 عصفت بأحلامه وأوهامه واستعادت مصر للمصريين. وعندما عرف مبارك أن جيش مصر لن يسانده كما فعل وزير داخليته أدرك أن المستقبل قد تحدد ولا مناص له من التنازل بهدوء. وخيراً فعل. هذه هى المرة الأولى التى استعاد فيها المصريون مصر من حكم الفساد والطغيان.
أما المرة الثانية فكانت فى ثورة يونيو 2013 بعد أن استبدت بالحكم فيها جماعة الإخوان المسلمين وحكمت مصر حكماً فاشياً واستأثرت بكل شىء وأبعدت الناس جميعاً عن كل شىء. وثار المصريون وساندهم جيش مصر الوطنى العظيم، وهكذا أمكن إزالة الطغيان الذى كان يتخفى فى ستار الدين- والدين منه برىء.
هكذا استعاد المصريون مصر مرتين بثورتين.
وبدأت فى تاريخ مصر مرحلة من أزهى عصور مصر.
وبدأت خريطة الطريق أولى خطواتها فى ظل رئيس مؤقت هو المستشار عدلى منصور وحكومة محاربة برئاسة إبراهيم محلب، وكان الرجلان- عدلى منصور وإبراهيم محلب- من خيرة الرجال وأكثرهم إخلاصاً لمصر.
وبدأت المرحلة الأولى من خريطة الطريق بوضع الدستور. وفى لجنة الخمسين لوضع مشروع الدستور أظهر عمرو موسى كفاءته كرجل دولة من الطراز الأول وحاور وناور ولم يفرط فى أساسية من الأساسيات إلى أن تم إعداد مشروع الدستور وعرضه على الاستفتاء العام. وشاركت فى الاستفتاء نسبة من الناخبين مرتفعة، وحظى الدستور فى الاستفتاء العام بموافقة أغلبية كبيرة، وهكذا انتهت المرحلة الأولى من خريطة الطريق.
وبدأت المرحلة الثانية- مرحلة اختيار رئيس الجمهورية- وتقدم مرشحان ونجح المشير عبدالفتاح السيسى بأغلبية ساحقة وظهر حب الشعب المصرى له واضحاً، مدركا أن وقفة الجيش المصرى بقيادته كانت هى العامل الحاسم فى نجاح ثورة 30 يونيو التى اقتلعت حكم الإخوان.
وفى الأيام الماضية أطلق رئيس الجمهورية مبادرة تفيض بالأريحية وحب مصر، عرضت ميزانية الدولة على الرئيس، فهاله ما وجد فيها من عجز. وأدرك أن معالجة ذلك العجز بالأساليب التقليدية لن تجدى كثيراً، فأعلن أنه سيتنازل عن نصف راتبه ونصف ممتلكاته التى ورثها عن والده، ودعا المصريين للاقتداء به من أجل إقالة عثرة مصر.
وهكذا فنحن الآن أمام ماذا يفعل المصريون من أجل مصر؟
هل يجوز أن يضن المصريون على أمهم التى أعطتهم الحياة بأى شىء غال أو رخيص أم أن الأوان قد آن لنرد جميعاً لمصر بعض فضلها وأن نقتدى برئيس الجمهورية فيما فعل.
وبالأمس اجتمع فى صالون الدكتور أحمد العربى أكثر من خمسين مصرياً. من مختلف الأعمار والفئات. كان منهم أساتذة الجامعة وبعض كبار رجال القضاء وأطباء ومهندسون من كل فئات الشعب، وكان طبيعياً أن يثور الموضوع الذى اقترحه رئيس الجمهورية والذى بدأ فيه بنفسه.
وكان طبيعياً أن يكون هناك ترحيب عام باقتراح الرئيس وضرورة الاقتداء به.
ولكن جرى التساؤل: كيف تدار هذه الأموال التى ستتجمع، وما المصارف التى تكون أكثر نفعاً لمصر؟
وكان واضحاً من مسار المناقشة أن التفكير فى تغطية عجز الموازنة من هذه المبالغ هو توجه غير سديد، لأن العجز أكثر من أن تسده تلك التبرعات، ويحتاج معالجة هيكلية فى بناء الدولة واقتصادها نفسه.
واختلفت الآراء: هل توجه هذه الأموال إلى الخدمات مثل التعليم والصحة والإسكان وكلها تحتاج إلى إسهامات كبيرة أم توجه تلك الأموال إلى أنواع من الاستثمار وفق ما يقدره الخبراء؟ وتستطيع هذه الأموال أن تصب فى بعض المصانع المتوقفة أو فى استثمارات جديدة، ما يساعد فى تخفيف أزمة البطالة، والكل يدرك أنها أزمة طاحنة.
وكما هى العادة فى صالون العربى كانت الساعة قد جاوزت الثانية عشرة عند منتصف الليل عندما نودى على العشاء الذى كان من أفخر وأجود أنواع السمك سواء البحرى أو النيلى، وأكلنا فى ذلك الوقت المتأخر من الليل، وبعد العشاء قرابة الساعة الواحدة صباحاً، أثار أحد الحاضرين مشكلة تدنى التعليم بكل مستوياته، ولكن المجموعة رأت أن القضية خطيرة، وأنه لا يمكن البدء فى تناولها فى ذلك الوقت المتأخر، وتقرر إرجاء مشكلة التعليم إلى ندوة أخرى بإذن الله.
والله المستعان