«اصحى يا نايم وحد الدايم
وقول نويت بكره إن حييت
الشهر صايم والفجر قايم
اصحى يا نايم وحد الرزاق»
........
هذه الأبيات جزء من قصيدة الشاعر فؤاد حداد للمسحراتي التي أداها الفنان سيد مكاوي ببراعة جعلت منه المسحراتي الأول في مصر لعدة عقود، حيث حرصت الإذاعة المصرية على إذاعة أغاني السحور بصوت سيد مكاوي لعدة سنوات.
بجلباب أبيض فضفاض وطاقية أو طربوش، وطبلة صغيرة على اليد، ومسبحة مميزة، يجوب المسحراتي الشوارع، لإيقاظ الأهالي لتناول السحور.
هذه الصورة تختلف من مكان لآخر من حيث الزي والكلمات التي يتم ترديدها، ففي بعض القري يستبدل المسحراتي الطبلة بـ«تشت» يحمله فوق رأسه لايقاظ الناس، ولم يتخلف المسحراتي عن ركب التكنولوجيا، فهو يستخدم مكبرات صوت في بعض الأحيان، ويلجأ بعضهم لاستخدام مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد، ليسمعه أكبر عدد من الناس بأقل مجهود.
وبالرغم من ارتباط شهر رمضان بالعديد من العادات والتقاليد التي تميزه عن غيره، إلا أن المسحراتي ظل له وضع خاص، وطابع مميز على مر العصور، وحافظت المهنة على وجودها منذ أن بدأها الصحابي الجليل بلال بن رباح إلى يومنا هذا، وإن تطورت في بعض الأحيان وأزدهرت في عصور وتراجعت في أخرى.
تتعدد المسميات التي تطلق على المسحراتي، ففي الكويت يطلق عليه«أبو طبيلة»، وفي المملكة العربية السعودية يطلق فيها «الزمزمي»، وفي العراق يعرف بـ«المسحرجي» أو «أبو الدمام»، ويطلق عليه الليبيون «ساهر الليل».
كان بلال بن رباح مؤذن الرسول أول مسحراتي في التاريخ الإسلامي، وهي المهنة التي قاسمه فيها الصحابي الضرير عبدالله بن أم مكتوم، حيث كان المسلمون يعرفون وقت السحور من آذان «بلال»، ووقت المنع بآذان «ابن أم مكتوم».
وكما عرفت مدينة رسول الله المهنة منذ فجر الإسلام، عرفت مصر مهنة المسحراتي منذ القدم، وكان أول «مسحراتى» فيها هو عنتبة بن إسحاق، والي مصر فى عهد الخليفة المنتصر بالله العباسى، حيث كان ينزل إلى الشارع سيرًا على قدميه، ليطوف أحياء مصر القديمة، حتى يصل لمسجد عمرو بن العاص.
تطورت مهنة المسحراتي في العصر العباسي، حيث كانت نساء بغداد يلقين بأوراق فيها قطع من النقود من الشرفات، ويحرقن أطرافها، فيرى «المسحراتي» القناديل الصغيرة تهبط من الشبابيك، فيسرع إليها، ويدعو لأهل البيت.
وفي عصر الفاطميين، أمر الخليفة، الحاكم بأمر الله، عماله فى الأقاليم بإيقاظ الناس، للسحور بالطرق على الأبواب وعلى الطبول في الشوارع، كما كان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا الناس للسحور.
وأعاد الظاهر بيبرس إحياء تلك العادة في عهد المماليك، حيث تغنى المسحراتية بأبيات خفيفة من الشعر.
وفي مصر الحديثة يتجول المسحراتية ليلا في القرى والمدن، مرددين القصائد والأدعية، وعادة يتوارث الأبناء المهنة عن آبائهم وأجدادهم، رغم عدم تقاضي المسحراتية أجرًا على مهنتهم.
............
ناس كانوا قبلي
قالوا في الأمثال
الرجل تدب مطرح ما تحب
وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال
حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال
وكل شبر وحته من بلدي
حته من كبدي
حته من موال.