عاصرت «المصرى اليوم» منذ ميلادها، بل وقبل ميلادها، فمازلت أذكر اليوم الذى فاتحنى فيه الصديق المهندس صلاح دياب، أنا والكاتب الكبير صلاح منتصر حول فكرة كانت تراوده لإصدار جريدة جديدة فى مصر تقدم ما لا تقدمه الصحف الأخرى، وفى الوقت الذى تحفظ فيه صلاح منتصر على الفكرة من منطلق حرصه على صلاح دياب ورغبته فى تجنيبه الخسارة المالية الكبيرة التى قال إنها مؤكدة، فقد تحمست للفكرة وقلت له إن هناك دائما مكانا لصحيفة جديدة وإصدار جديد على المشهد الصحفى شريطة أن يكون جديدا بالفعل ولا يعيد تقديم ما هو متاح، ولذلك فقد كنت من المتحمسين للفكرة فى وقت كانت الصحافة فيه قد بدأت تفقد مصداقيتها أمام القارئ.
وكنت من أوائل من طلب إليهم صلاح دياب الإسهام فى هذا المشروع بكتابة مقال ثابت وقد عرضنا ذلك لبعض المضايقات من جانب جريدتى الأهرام لكنى كنت متحمسا للتجربة الجديدة وظللت أكتب بها لسنوات متنازلا عن أجرى وسعيدا بالتجربة الجديدة التى وجدت أن من واجبى دعمها.
لقد استطاعت الجريدة خلال فترة وجيزة أن تجد لنفسها شخصية مستقلة تمايزت عن باقى الصحف الموجودة على الساحة، وكان ذلك فى وقت بدأت فيه الصحف الخاصة تقدم رؤية مستقلة عما تقوم عليه الصحافة القومية من جانب والحزبية من جانب آخر، لكن حتى فى هذا الإطار فقد استطاعت أن تتميز عن باقى الصحف المستقلة فى ليبراليتها بحيث تقدم جميع الآراء، واستمرت «المصرى اليوم» على هذا الخط إلى الآن، وأكبر شهادة لـ«المصرى اليوم» الآن هى قدر الخطابات المستمرة التى تصل إلى رئاسة تحريرها تشكو من مقال ذى اتجاه معين، بينما تشكو رسائل أخرى من مقال آخر ذى اتجاه نقيض. فقد جمعت «المصرى اليوم» بين كتابها جميع الاتجاهات السياسية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، بل حرصت أيضا على إتاحة المجال لتقديم رأى بعض أتباع الإسلام السياسى الذين لم يكن مرحبا بهم فى الصحف الأخرى، كما قدمت بعض الآراء الأناركية الفوضاوية المعارضة لكل شىء، وهكذا أصبحت «المصرى اليوم» من أكثر الصحف ثراء فى مقالاتها، وقد يعجب البعض حين يعرف أن كتاب «المصرى اليوم» الآن يزيدون على الستين كاتبا، وهو ما لا يوجد فى صحيفة أخرى، بعضهم يكتب يوميا أو أسبوعيا، وبعضهم مرة فى الشهر أو مرة كل ثلاثة، وتلك هى إحدى مميزات «المصرى اليوم» فى وقت قل اعتماد الصحافة الورقية فيه على الخبر الذى يسيقها إليه التليفزيون والنت ووسائل الاتصال الحديثة الأخرى، وأصبح القارئ يبحث فى الجريدة عن الرأى والتحليل والتحقيق المتعمق، أى أن القارئ يبحث فى الجريدة ليس عن الخبر فقط وإنما عما وراء الخبر وهو ما لا تقدمه وسائل الاتصال الأخرى.
كذلك تميزت «المصرى اليوم» بخفة الحركة الشديدة فكانت هى الصحيفة الشابة بين بقية الصحف فلا تكاد تجد فيها مقالا مطولا يأخذ صفحة أو حتى نصف صفحة، وتلك الخفة فى الحركة جعلتها تسبق الكثير من الصحف الأخرى التى بدت بطيئة وثقيلة بالمقارنة بها.
إن مثل هذه الخصائص من الانفتاح على كل الآراء وخفة الحركة وجرأة الرأى جعلتها تتوحد بالضرورة مع كل الحركات الاحتجاجية الشابة التى شهدتها البلاد، وبالتالى كانت هى الصحيفة الأولى للثورة منذ اندلاعها عام 2011 فكانت صفحات الجريدة ترفع فى الميدان جنبا إلى جنب مع لافتات الثورة، ولم يكن بغريب أن تتخطى الجريدة أيام الثورة توزيع جميع الصحف المصرية الأخرى بلا استثناء، حيث زاد الطلب عليها فكانت تطبع ما يزيد على النصف مليون نسخة، بينما كانت الصحف الأخرى تلهث وراءها بمسافة طويلة.
على أننى أرى أن مهمة «المصرى اليوم» فى المرحلة المقبلة ستختلف تماما، لأنها مرحلة بناء طال انتظارها ويجب أن تتجه «المصرى اليوم» إلى المساهمة فى عملية البناء بالرأى والاقتراح والفكر والتصويب، فلن يعود كافيا فى المرحلة المقبلة أن تقدم الجريدة الآراء الرافضة والناقدة، لكن التحدى الأكبر هو أن تقدم الرأى البناء الذى يساهم فى صنع المستقبل الذى نتطلع إليه جميعا وأعتقد أن «المصرى اليوم» مؤهلة لذلك.
لقد نجحت «المصرى اليوم» خلال الـ10 سنوات الماضية فى أن تتحول من جريدة فتية وثابة إلى مؤسسة إعلامية راسخة الأقدام، وبعد أن بدأت كجريدة يومية من ١٦ صفحة، أصبحت الآن صاحبة ثانى أهم موقع إلكترونى فى مصر بين جميع المواقع الصحفية الأخرى، بالإضافة لإنشائها موقعا ناجحا جدا بالإنجليزية، وأصبحت «المصرى اليوم» صاحبة موقع تواصل اجتماعى ظل يتزايد عدد مرتاديه حتى تخطوا المليون مشترك، وحققت بذلك تكاملا تحريريا بين النسخة الورقية والنسخة الإلكترونية، كما حققت على مستوى الإدارة تطورا يساير المنشآت الإعلامية الكبرى فى العالم، فكانت على سبيل المثال أول مؤسسة صحفية فى مصر تنشئ مجلس أمناء يضم أكبر الشخصيات فى مختلف المجالات ومن بينهم نبيل فهمى، وزير الخارجية والقاضية تهانى الجبالى، والكاتب علاء الأسوانى، والدكتور صلاح فضل، والمخرج يسرى نصرالله، والدكتور محمد غنيم وآخرون، وهذا المجلس يضع الاستراتيجية العامة لجميع إصدارات المؤسسة مما يحقق استقلالا لها بحيث لا يتحكم رأس المال فى الاتجاه السياسى للجريدة لأن تلك هى آفة الصحافة الخاصة والإعلام.
وخلال هذا المشوار لا نستطيع أن نغفل الحرص الشديد والاهتمام الذى أبداه صلاح دياب بشكل خاص للجريدة وحرصه الشخصى على نجاحها وعلى استمرارها فهو كلما اطلع على شىء فى سفرياته عاد ليقترحه على القائمين على الجريدة مع حرصه طوال الوقت على أن يقدم أفكاره التى أثرت الجريدة على مدى السنوات باعتبارها اقتراحات قد يأخذ بها التحرير كما هى، أو يعدلها، أو لا يأخذ بها على الإطلاق.
لقد تعرضت «المصرى اليوم» لأزمات كثيرة، ولولا وجود صلاح دياب لاختفت الجريدة من على الساحة كما اختفت صحف أخرى كثيرة، لكن الإنجاز الأكبر لصلاح دياب على مر السنين، هو أنه جعل للجريدة الآن كياناً اعتبارياً مستقلاً قادراً على الاستمرار والنمو دون رعايته الأبوية.