■ السلطة هى المصيدة الوحيدة التى تطاردها الفئران!
- أعتقد أن هذه العبارة لبرنارد شو
■ شو لم يقل ذلك، لأنه كان معتوها أجوف، لم يصلنا منه إلا عبارات ساخرة، وعادة ما كان يركز سخريته على المرأة، لذلك طورت عبارته التافهة إلى مقولة سياسية لها وزنها.
- هل هذا استظراف؟ أم أنك تتطاول على الأيرلندى العظيم صاحب جائزة نوبل؟
■ عادى جدا، فهو الذى بدأ الاستظراف على خلق الله جميعا، لذلك لا تخشى من التطاول، فالسوبر مان الاشتراكى مات ولم يعد سلطة.
- وهل كان مستر شو سلطة فى أى يوم من الأيام؟
■ طبعا، بعد أن ودع أيام الفقر، وصار كاتبا مشهورا، حتى إنه عارض الإنجليز والأمريكان واتهم الكنيسة بالتعصب، ورغم إلحاده أشاد بنبى الإسلام وجاهر بأن العالم يحتاج قدوة مثل محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل إنه أعلن رفضه جائزة نوبل، وقال إنها تأخرت عليه، ووصفها بأنها مثل طوق نجاة منحوه لغريق بعد وصوله للشاطئ، وهذا يعنى (على رأى زوزو فى فيلم حسن الإمام) أنه أخذ الليسانس ووصل لبر الأمان، مع أن المحظوظ لم يكمل تعليمه!
- هل هذا ما تعنيه بالسلطة؟ إن هذه المواقف نابعة من مكانة المثقف والكاتب الكبير، وليست من منصب أو وظيفة.
■ لقد قلت إن شو كان سلطة، ولم أقل إنه يمارس السلطة.
- وهل هناك فرق؟
■ يوووووه، فرق كبير.
- ما هو؟
■ هناك مفكر آخر اسمه إريك فروم يوضح ذلك بالتفصيل، فيقول إننا جميعا نمارس السلطة، لكن المبدعين (سواء كانوا كتابا أو مزارعين أو حرفيين) هم فى ذاتهم سلطة، ويفرق بين نوعين من السلطة: الأولى لا عقلانية تعتمد على القوة وإخضاع الآخرين، والثانية عقلانية يحصل عليها الفرد بموهبته الذاتية وكفاءته، وقدرته على التطور والارتقاء، ولا يحتاج فيها لإصدار قرارات ولا تلويح بتهديدات ولا منح رشاوى، ولذلك تستمر مع الشخص كصفة جوهرية دائمة، وطبعا قادة التنوير العقلى للبشرية من هذا الطراز، أما النوع الثانى فهو مجرد وظيفة، تنتهى بانتهاء الحاجة للشخص، أو انتهاء قوة الإخضاع التى يملكها.
- كيف تقول إذن إن جورج مات وسلطته انتهت؟
■ لأن الكاتب يموت عندما يتبلد عقل الجمهور، ونحن لم نعد بحاجة إلى الثقافة والمثقفين، حتى إن «شو» فى هذا الزمان أصبح مجرد مضحكاتى ساخر مثل «أساحبى»، و«زلطة» و«أبوحفيظة»، (والمغفور له باسم يوسف).. لقد تراجعت سلطة العقل والكفاءة والأهلية، وعدنا إلى سلطة بدائية، مهما كسوناها بثياب عصرية، ستظل أقرب لحكم القبيلة، وسطوة الفتوة، وقوانين الغابة.
- لكن هناك انتخابات وحق اختيار لأفراد الشعب..
■ هذه هى الثياب التى أشرت إليها، لا فرق بين سلطة ملك تعتمد على خرافة الجينات، وسلطة مغامر يستولى على الحكم بقوة السلاح، وسلطة رئيس منتخب تحت تأثير وهم الصورة المصنوعة، وخداع الدعاية الكاذبة، وإغواء الأموال السهلة فى الحملات الانتخابية، فى كل الأحوال السلطة فارقت الاستحقاق وصارت لمن يقدر.
- لكن الناس تصوت من أجل ذلك بإرادة حرة.
■ تحضرنى مقولة صريحة للديكتاتور الروسى الجرىء جوزيف ستالين يقول فيها: من يصوتون لا يقررون شيئا، أما من يحصون الأصوات فهم الذين يقررون كل شىء.
- لكننا نتابع الانتخابات على الهواء ويراقبها العالم كله ليتأكد من نزاهتها!
■ لقد تطورت الأساليب يا عزيزى، ولم يعودوا بحاجة لتزوير الانتخابات، وصار من الأسهل تزوير الناخبين أنفسهم، وتوجيه كل شىء فى حياتهم بالريموت كونترول.
- وما العمل؟
■ إليك نصيحة محرفة من صديقك شو: أصلح نفسك.. عندها سينقص عدد الفئران واحداً!