لم تكن جريمة الاغتصاب التى وقعت أثناء الاحتفال الشعبى بميدان التحرير هى الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة؛ إذا تعاملت الدولة أمنياً فقط مع هذا الملف الخطير، وفى حال إذا استمر نظرها للمتحرش على أنه مجرم يستحق أشد العقوبة فقط، ولم تبحث عن الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذا الفعل الآثم.
المدقق فى وقائع التحرش المختلفة يجد أن سن المتحرش لا تتجاوز الثلاثين، بينما سن المتحَرش بها لا تزيد على 25 عاماً فى الغالب؛ وهذا يدل على أن جريمة التحرش لم تكن فى يوم من الأيام انتقاماً من المرأة كما يحلو للبعض الترويج لذلك، حيث يرى البعض أن المتحرش مصاب بمرض نفسى «سادى» يتلذذ بتعذيب الآخرين، وليست أيضاً خطة سياسية تعمل على تهميش المرأة وإبعادها عن المشهد السياسى فى تفسيرات وتحليلات فريق آخر؛ فالنساء شقائق الرجال ولهن الحق الكامل فى المشاركة السياسية، بل أصبحت المرأة فى الآونة الأخيرة قوة «تصويتية» وقوة حشدية لا يستهان بها.
أتصور أن المتحرش ليس هو المذنب الوحيد فى هذه الجريمة، بل هناك أطراف عدة تشاركه فى هذه الجريمة النكراء، فلا ينبغى أن ننظر إلى المتحرش على أنه مجرم فقط، بل يجب أن ننظر إليه على أنه مريض وضحية.. يعانى من مرض نفسى مزمن يجب علاجه أولاً ورعايته والاعتناء به، ثم عقابه ثانياً، والعقاب يأتى فى المرتبة الثانية بعد العلاج النفسى والاجتماعى والاقتصادى، فمن الظلم عقابه والمناخ كله موبوء بالأمراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
أتصور أن أبرز الدوافع وراء هذه الجريمة هو الكبت الجنسى الرهيب الذى يتعرض له الشاب، نتيجة لما يشاهده صباح مساء على شاشات الفضائيات، فى الوقت الذى لا يجد فيه الشاب تربية دينية وأخلاقية وسطية تهذب سلوكه المجتمعى، وفى الوقت نفسه لا توفر له الدولة أمور الزواج ومتطلباته ..
أدعو عقلاء مصر ومؤسساتها إلى تشكيل لجنة تبحث هذه الظاهرة من حيث الأسباب والدوافع وطرق العلاج، علماً بأن ليس كل المتحرشين من البلطجية ومدمنى المخدرات والترامادول..
الحل الأمنى أحد أساليب العلاج، ولكنه ليس الحل الوحيد؛ أما تحميل المتحرش وحده المسؤولية وحصر الأسباب فى فوران الشهوة أو تأثير المخدرات، ومن ثم التعامل مع القضية كأى جريمة أخرى بمنطق العقاب والحل الأمنى، فلن نصل لنتيجة، لأن هناك عوامل ودوافع وتيارات ثقافية وإعلامية ومجتمعية تحرشت بالمتحرش ليتحرش، فى دائرة تحرش يتلذذ الجميع بها، حيث تعود عليهم بالنفع وتحقق لهم المصالح!!
صالح أبوالعباس