تعيش جماعة الإخوان المسلمين واحدة من أكثر أزماتها صعوبة منذ تأسيسها قبل أكثر من ثمانين عاماً، واستطاعت من خلال تنظيم صارم يقوم على السمع والطاعة الوصول للسلطة بممثلها محمد مرسى قبل أن ينتهى الحال بها إلى سقوط حكم الجماعة وسجن قيادييها ومطاردة عدد منهم بأحكام السجن بعد إعلانها جماعة إرهابية.
وكانت النتيجة سجن قيادات الصفوف: الأول ممثلاً فى مكتب الإرشاد، والثانى ممثلاً فى مجلس الشورى العام، والثالث ممثلاً فى رؤساء المكاتب الإدارية. ورغم هذه الضربات إلا أن الجماعة لا تزال تعمل فى الظل، مستفيدة من خبرات اكتسبتها فيما يسمى «محنتيها الأولى والثانية فى عهدى الملك فاروق والرئيس جمال عبدالناصر». وتكشف «المصرى اليوم» فى هذا التحقيق آليات العمل والاجتماعات التنظيمية عبر اتصالات مسجلة أجرتها مع قياديين فى الداخل لا يزالون خارج السجن، وفى الخارج ممن يعملون فى إطار تنظيم أكبر وأكثر تعقيداً.
ياسر.. شاب ريفى ثلاثينى العمر، يدخل بهدوء إلى شقة إيجار جديد فى إحدى القرى التابعة لمحافظة الجيزة، تزيِّن جدرانَها صورٌ لحسن البنا وعدد من الذين لقوا حتفهم أثناء فض اعتصامى رابعة والنهضة، ينضم إلى مجموعة تبحث تصعيد عدد من القيادات محل الذين جرى سجنهم هذا الأسبوع، ومدى كفاءتهم التى تؤهلهم لشغل هذه المناصب الشاغرة. حلَّ دوره لإلقاء كلمة أكد فيها على 3 أسس كفيلة بإعادة ترميم التنظيم الإخوانى «الأخوّة- الثقة- الطاعة»، وهى عوامل البناء الداخلى التى أكد عليها الأستاذ (يقصد حسن البنا) للوصول لمرحلة أستاذية العالم.
الصورة السابقة رسمها ياسر عاصم، عضو تنظيم الإخوان، الذى لم يجد مانعاً من الكشف عن هويته واسمه أثناء إجراء هذا التحقيق، مبرراً ذلك بـ: «أصبحتُ وجهاً معروفاً لجهاز أمن الدولة بعد مقتل شقيقى فى فض رابعة، واعتقال شقيقى الثانى»، يصمت للحظة ويستكمل: «يعنى المسألة مش فارقة».
يواصل ياسر متحدياً: «التنظيم لن يموت، لأن هناك أسساً تنظيمية نعرفها جيداً، وهى الاستفادة من طلاب الجماعة أو الصفين الخامس والسادس من شبابنا، من الذين انتسبوا حديثاً نظراً لعدم وجود سجلات بأسمائهم أو أنشطتهم لدى أجهزة الأمن التى تحتفظ بالأسماء المعروفة».
يلتقط أحد أصدقاء «ياسر»، رفض الإفصاح عن اسمه، الحديث مؤكداً: «هناك مراكز قوى جديدة داخل الجماعة ظهرت لتحل محل القيادات التى تم اعتقالها». يستعيد «ياسر» أطراف الحديث قائلاً: «نتواصل مع الشباب فى المحافظات، وكل شباب الإخوان هناك يعرفون بعضهم جيداً بسبب المعسكرات الصيفية».
يؤكد «ياسر» أن «اجتماعات الأسر منتظمة بشكل أسبوعى، بينما اجتماعات الشُّعب ليست منتظمة، لأن لها شروطاً لانعقادها مثل وجود عدد محدد من كل مستوى من المستويات التنظيمية».
تواجد أعداد كبيرة من قيادات الجماعة خارج البلاد عزَّز من نظرية «إخوان الداخل وإخوان الخارج» التى كانت موجودة فى حالات مشابهة مثل حركتى «حماس» الفلسطينية و«النهضة» التونسية، اللتين عاشتا ظروفاً مشابهة لما عاشته الجماعة الأم. وتنص المادة 33 من اللائحة الداخلية للجماعة على أن «الأمانة العامة تتشكل من جهاز تنفيذى يرأسه الأمين العام على أن يقيم فى البلد الذى يقيم فيه المرشد، ويجوز أن تمارس اللجنة عملها من خارج البلاد برئاسته إذا دعت الضرورة حصانة لدور قيادات الخارج»، وهو النص الذى يتيح لقيادات الجماعة إدارة شؤونها من الخارج أو التشاور بشأن إدارتها مع إخوان الداخل، وهو ما ينطبق على محمود حسين، الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين المتواجد خارج البلاد حالياً.
عزام التميمى، أحد قيادات التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، يقول إن «الصفين الثالث والرابع يتصدران العمل التنظيمى داخل جماعة الإخوان المسلمين حالياً بعد عمليات الإحلال والتبديل، لأن الجماعة تتميز بالتراتبية التنظيمية التى تجعلها عصيَّة على الانشقاق أو التفكك»، مؤكداً أن «الشباب هم من يتصدرون العمل التنظيمى، وأن الاجتماعات المتعلقة بالتنظيم تنعقد بشكل دورى».
ويضيف «التميمى»، الذى يعيش فى بريطانيا منذ أكثر من 25 عاماً، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»، أن «التواصل بين قيادات الإخوان بالداخل والخارج موجود ولم يغب» مؤكداً أن «هناك توزيعاً للأدوار، وأن دور إخوان الخارج يتعزز من خلال الضغط على حكومات بلدان المهجر لتعريفهم بأن ما حدث فى مصر انقلاب عسكرى، بالإضافة إلى دورهم فى التشاور مع إخوان الداخل فى المسائل التنظيمية، وأن جمعة أمين، نائب المرشد، الذى التقاه فى العاصمة البريطانية ليس مخولاً بأى صفة تنظيمية، وأنه ليس المرشد الحقيقى للجماعة».
«حركة حماس الفلسطينية عاشت ظروفاً مشابهة لما تعيشه الجماعة الآن من حملات اعتقال وتصفية واغتيالات لقيادات الصف الأول منذ عام 1988، وهو ما جعلها تدفع بقيادات الصف الرابع فى العمل التنظيمى دون الكشف عن هوية وقيادات هذا الصف تحسباً لاستهدافهم أو اعتقالهم، وذلك وفقاً للثقافة التنظيمية». يقول «التميمى» الذى يستشهد بآلية إدارة فرع التنظيم فى فلسطين قائلاً: «عندما كان إسماعيل هنية مديراً لمكتب الشيخ أحمد ياسين، وبعد اغتيال الشيخ ثم اغتيال الرنتيسى، انتخبته الحركة زعيماً لها فى الداخل وجرى تصعيده فى المنصب القيادى واكتشف الناس كم لديه من المهارات القيادية والقدرات الكامنة، وحاله هذا ينطبق على حال كثيرين آخرين من إخوانه، وأن أسماء هذه القيادات التى جرى تصعيدها لا يتم الكشف عنها فى هذه المحن خشية ملاحقتهم أمنياً».
يقول على خفاجى، أمين شباب حزب الحرية والعدالة بالجيزة، الذى يعيش حالياً فى دولة قطر، إن هناك قيادة جديدة من الصفوف الثانى والثالث والرابع يقودون التنظيم حالياً من داخل مصر، وأن جميع أعمال وأنشطة الإخوان تعمل بشكل مستمر، مؤكداً أن دور الشباب هو وضع رؤية محددة والتواجد بمقاومة سلمية مبدعة.
وأضاف «خفاجى»، فى تصريحات بالهاتف لـ «المصرى اليوم»، أن هناك تنسيقاً بين إخوان الداخل والخارج فى التعامل مع المسائل التنظيمية المتعلقة بالجماعة والفعاليات، مستدركاً: «لكن إخوان الداخل هم أصحاب القرار فى الداخل لاقترابهم من الواقع أكثر». يتابع: «الجماعة متواجدة منذ ما يقرب من 85 عاماً، والتوهم السائد لدى السلطات الحالية بأن الجماعة ستنتهى هو ضرب من ضروب الخيال.. البنا والهضيبى والتلمسانى وأبوالنصر ومشهور والهضيبى وعاكف وبديع، مرشدو الجماعة، كلهم سُجنوا ولم ولن تنتهى الجماعة لأنها فكرة، والأفكار لا تموت».
عن تواصل قيادات الجماعة داخل مصر مع القيادات الهاربة يقول محمد على بشر، القيادى بجماعة الإخوان المسلمين، فى مكالمة هاتفية لـ«المصرى اليوم»: «أتواصل مع الدكتور محمود حسين، الأمين العام للجماعة، والموجود فى جهة غير معلومة خارج مصر، بهدف إنسانى نظراً لوجود علاقة مصاهرة بيننا. هو نسيبى وأُكلّمه كعلاقة أسرية، وليس فى ذلك أدنى مشكلة». يؤكد «بشر»، الذى لا يفضل الظهور الإعلامى، صعوبة التواصل مع القيادات المحبوسة: «نحن ممنوعون من تنظيم أى زيارة للسجناء من الإخوان المسلمين، لأن الزيارات للأقارب فقط».
تستضيف السجون المصرية حالياً عدداً كبيراً من قيادات جماعة الإخوان المسلمين على كل مستوياتها التنظيمية بين قيادات الصف الأول (مكتب الإرشاد) والصف الثانى (مجلس الشورى العام) والصف الثالث (رؤساء المكاتب الإدارية والمحافظات)، وهو ما يثير تساؤلاً عن إمكانية أن تمارس هذه القيادات أدواراً من داخل زنازينها تسهم فى إعادة بناء التنظيم، وهو ما حاولتْ هذه القيادات بالفعل القيام به من داخل السجون فى أعقاب فض اعتصامى النهضة ورابعة، لكن هذا الدور انحسر بشدة بعد ذلك على خلفية التشديد الأمنى ومنع الزيارات.
يقول حسن الشاطر، نجل خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، المحبوس بسجن العقرب: «قيادات الجماعة فى السجون ليس لها دور يُذكر فى الوقت الحالى بما يتعلق بإدارة التنظيم من الداخل، هم يعيشون فى عزلة داخل السجون فى زنازين انفرادية ولا تتوفر لديهم أى فرصة لتنظيم اجتماعات، والضباط يمنعونهم من أى تواصل، وفترة التريض للقيادات لا تزيد على ساعة يومياً، ويتم ترتيبها بشكل لا يتيح لهم أى لقاء».
شهادة نجل الشاطر عن دور لا يذكر للقيادات المحبوسة تناقضها شهادة أخرى للدكتور أحمد كمال أبوالمجد، المفكر الإسلامى، صاحب المبادرة الأشهر للتصالح بين الجماعة والدولة، والتى قدمها فى شهر أكتوبر من العام الماضى، والذى يقول: «المبادرة كانت قد قطعت شوطاً كبيراً لإنهاء الأزمة بين الإخوان والجيش، ولا يوجد أحد من قيادات الجماعة الذين تفاوضت معهم مثل محمد على بشر وعمرو دراج تكلم فى مسألة عودة مرسى».
يواصل «أبوالمجد»، فى تصريحات هاتفية خاصة: «تواصلت مع قيادات الجيش ووافقوا على مبادرة المصالحة، وقالوا لى (على بركة الله)، لكن تنصل الجماعة من المبادرة يعود إلى دور القيادات الإخوانية فى السجون، وأنها مارست ضغوطاً على الدكتور محمد على بشر لإفشال المبادرة، لأنها كانت ترغب فى تأجيل الأمر».
كانت أجهزة الدولة سمحت بزيارة وفد إقليمى دولى فى شهر أغسطس من عام 2013، تمثَّل فى وليام بيرنز، نائب وزير الخارجية الأمريكى، وممثل عن الاتحاد الأوروبى، والشيخ خالد آل عطية، وزير خارجية قطر، والشيخ عبدالله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، لنائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المهندس خيرت الشاطر بمحبسه فى سجن شديد الحراسة بطرة للتفاوض بشأن إنهاء الخصومة مع الدولة وإتمام المصالحة، وهو ما يعزز من شهادة أبوالمجد عن استمرار مركزية دور الشاطر وقيادات السجون فى مرحلة «ما بعد رابعة».
يحكى حسن الشاطر، فى تصريحات هاتفية مسجلة مع الصحيفة، أن الزيارات تجرى مع والده فى وجود ضابط شرطة مرة كل 3 شهور، وتكون بين حائل زجاجى يفصل بينهم، وتستمر وقتاً قصيراً، مع منع أى زيارات من خارج الإطار العائلى أو أقارب الدرجة الأولى، مشيراً إلى أن أخاه محبوس مع والده داخل السجن، ولا يستطيع لقاء والده المحبوس معه، وأنهم يقومون بتأدية صلاة الجمعة فى حضور ضباط شرطة للفصل فيما بينهم ومنعهم من الحديث. يواصل حسن أنهم «كانوا يسمحون للوالد بدخول الجرائد الحكومية فى بداية فترة السجن».
كانت إدارة مصلحة السجون كشفت عن تنظيم اجتماعات لقيادات الإخوان بسجن الملحق بين كل من الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وأحمد عبدالعاطى، مدير مكتب الرئيس المعزول، والمهندس أيمن هدهد، المستشار الأمنى للرئيس المعزول، قالت وقتها وزارة الداخلية إنهم يلتقون يومياً لساعات يناقشون وضع الجماعة والقضايا والاتهامات الموجهة إليهم، وأن أحمد عبدالعاطى، مدير مكتب الرئيس السابق محمد مرسى، كان مكلفاً بخطبة الجمعة، وهو ما تسبب فى فتح تحقيق داخلى فى الوزارة انتهى إلى توزيع قيادات الإخوان على 4 سجون، ونقل اللواء مصطفى باز، مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون، إلى ديوان عام الوزارة وتعيين اللواء محمد راتب بدلاً منه.
يستبعد أحمد عبدربه، مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن يكون لقيادات الجماعة المتواجدة فى السجون دور أساسى فى إدارة التنظيم، لافتاً إلى أن دورهم هامشى، ويأخذ شكل المشورة وليس صناعة القرار، لافتاً إلى أن من يلعب الدور الأكبر والأهم فى إعادة تأسيس التنظيم هم إخوان الخارج، وبعض قيادات الصفين الثالث والرابع داخل مصر.
فى تاريخها الممتد لأكثر من ثمانية عقود تعرضت الجماعة لأقوى ضربة أمنية على يد الرئيس جمال عبدالناصر، تسببت فى تقطيع أوصال التنظيم بشكل شبه كامل، لكن شباب الجماعة وقتها هو الذى تصدى لعملية إعادة تأسيس التنظيم عام 1964، قبل أن يضرب عبدالناصر ضربته الأخيرة بقضية عام 1965 التى أعدم فيها سيد قطب بعدما بدأت تنظيراته بـ«جاهلية المجتمع» تلقى قبولاً فى أوساط شباب الجماعة.
يحكى أحمد عبدالمجيد، أحد شباب الجماعة القائمين على عملية إعادة تأسيس تنظيم 1965، فى كتابه «الإخوان وعبدالناصر.. القصة الكاملة لتنظيم 1965»، والمنشور على موقع ويكيبديا الإخوان المسلمين: «خلال عام 1957 كنت فى شقة بعض الإخوة فى الزيتون فى القاهرة، معظمهم من الطلبة الجامعيين، ترتاد هذه الشقة طائفة ذات صبغة معينة وهم الإخوان الشبان (..) ضربنا موعداً نتقابل فيه فى منزل الشيخ عبدالفتاح إسماعيل فى كفر البطيخ فى دمياط، وكنا أربعة أشخاص تحت سن الأربعين، ونلتقى بشكل سرى وتدارسنا الأمر وناقشنا الأمور لمدة ثلاثة أيام متتالية لنخرج بسياسة لتوزيع الأدوار، وتم توزيع الاختصاصات التالية، والتى تشمل الشيخ عبدالفتاح إسماعيل (تاجر) ليكون مسؤولاً عن دمياط وكفر الشيخ وشرق الدلتا، والاتصال بالأستاذ المرشد حسن الهضيبى والأستاذ سيد قطب فى السجن والتفاهم مع «إخوان» الإسكندرية والبحيرة، ومعه الشيخ محمد فتحى رفاعى، وهو مسؤول عن النواحى المالية من حيث مصادرها ومصارفها، والشيخ محمد فتحى رفاعى، مدرس فى المعاهد الأزهرية، ليكون مسؤولاً عن وسط الدلتا (الدقهلية، الغربية، المنوفية) ومسؤولاً كذلك عن وضع البرامج الدراسية والتربوية، وعلى عشماوى، موظف فى شركة الأساسات، ليكون مسؤولاً عن القاهرة والجيزة، ومسؤولاً عن التدريبات الرياضية والاتصال بالإخوان فى الخارج، وأحمد عبدالمجيد، موظف فى إدارة «كاتم أسرار» فى وزارة الحربية، ليكون مسؤولاً عن الوجه القبلى ومسؤولاً عن المعلومات.
هل يمكن إعادة تجربة الستينيات فى إحياء التنظيم على يد الشباب مرة أخرى؟ يجيب عن ذلك أحمد عبدربه، مدرس العلوم السياسية فى جامعة القاهرة: «المحنة التى تعيشها الجماعة فى المرحلة الحالية تختلف عن محنتهم فى الحقبة الناصرية، لأن ما حدث هذه المرة هو أنهم وصلوا للسلطة بالفعل وخرجوا منها بدماء كثيرة وهو ما يجعل الجماعة أكثر ميلاً للتطرف، رغم أن العنف الذى مورس ضدهم سيعطيهم قدرة على تصدير خطاب المظلومية».
يواصل عبدربه: «الجماعة فى هذه المرة كشفت كل أوراقها وتفسخت أمام الجميع بعكس المرة الأولى، التى تمكنت من خلالها فى الاحتفاظ بقدر كبير من الأسرار»، مؤكداً أن «الجماعة سقطت فى هذه المرة بفعل خروج الجماهير ضدها وهى فى السلطة خلافاً لموقعها فى الستينيات». يؤكد مدرس العلوم السياسية أن «الجماعة ماضية إلى التأسيس الثالث لا محالة»، معتبراً أن «هذا الأمر محسوم، لكن ما لم يُحسم بعد هو الرغبة فى تجاوز أخطاء التأسيس الثانى، وفصل الدعوى عن السياسى، واعتماد إجراءات ديمقراطية داخلية تمكن التنظيم من التطور والتكيف».
يحتفظ التنظيم الإخوانى بتواجد مركزى لأنشطته وبنيته وهيكله الأساسى فى الريف والمحافظات، وهو ما تأكدت منه «المصرى اليوم» من خلال لقاءات بعدد من كوادر الجماعة فى محافظتى الشرقية والجيزة ممن يمثلون الصفين الثالث والرابع من التنظيم.
أحمد ناصف، أحد كوادر التنظيم فى محافظة الشرقية، وافق على الكشف عن هويته، ويشغل منصب المتحدث باسم «طلاب ضد الانقلاب» بجامعة الزقازيق، التقته «المصرى اليوم» فى أحد الكافيهات القريبة من الجامعة: «هناك ثقافة تنظيمية لدينا فى الجماعة فى أن كل موقع إخوانى له بديل 2 و3 و4»، مؤكداً أن دور القيادات البديلة هو الحفاظ على تماسك التنظيم والمساهمة فى إدارة الموقف، مشيراً إلى أن اجتماعات الشُّعب والأُسر تهتم بالهيكلين التنظيمى والتربوى.
ويضيف ناصف: «اجتماعات الشُّعب والأُسر تنعقد بشكل دورى فى المحافظة، وهى جزء من ثقافتنا التنظيمية. اجتماع الأسرة مرة كل أسبوع وهو اجتماع تربوى ومنتظم إلى حد بعيد، ويتراوح عدد المنتظمين فى الأسرة بين 5 إلى 10 أفراد».
وعن الأماكن التى تنعقد فيها اجتماعات الأسرة يقول: «ممكن فى الجامع أو كافيه أو فى بيت متأمن لحد من الإخوة»، رافضاً الإفصاح عن عدد الأسر أو الشُّعَب فى المحافظة الكبيرة.
تعتبر الأسرة فى أدبيات جماعة الإخوان المسلمين أصغر وحدة تنظيمية تنعقد لقاءاتها أسبوعياً.
يقول ناصف إن «اجتماع مكتب الإرشاد لا يزال مستمراً»، وهو ما لم يؤكده أو ينفه أحد من قيادات الجماعة الذين التقتهم «المصرى اليوم» أو اتصلتْ بهم هاتفياً، مشيراً إلى انخفاض التمثيل لأعضاء مكتب الإرشاد بسبب الظروف الأمنية، وكذلك لأن الملفات انخفضت، وأن الأعضاء الجدد الذين جرى تصعيدهم فى هذه المناصب غير معروفين.
يتابع ناصف: «الثقافة التنظيمية تجعل كل عضو بمكتب الإرشاد له نائبان أول وثان، وهو ما ينطبق على المرشد العام للجماعة المقبوض عليه، وهو ما يفرض وجود شخص مكلف بمهامه كقائم بأعمال المرشد داخل مصر». يعزز هذه الثقافة التنظيمية والتراتبية فى الإحلال والتبديل مواد اللائحة الداخلية، إذ تنص المادة (5) من لائحة الجماعة على أنه «فى حال حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد مهامه يحل محله نائبه الأول، ثم الأقدم فالأقدم من النواب ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد»، حسبما يقول ناصف.
يشرح الشاب الجامعى آلية نمط إدارة التنظيم لمحافظة الشرقية، المعروفة بأنها إحدى المحافظات التى تتمتع بثقل إخوانى، قائلاً: «المحافظة تنقسم إلى مكتبين إداريين: شمالى والمسؤول عنه خارج السجن لكنه مطارد ومطلوب القبض عليه، وجنوبى والمسؤول عنه معتقل وجرى تصعيد قيادى يحل محله، وكلا المكتبين يقعان فى نفس المنطقة والمنطقة تتبع الشعبة، وللشعبة مجلس شورى يسمى: مجلس شورى الشعبة».
الباحث الراحل حسام تمام شرح هذه الآلية فى كتابه «الإخوان المسلمون.. سنوات ما قبل الثورة» قائلاً: «الإخوان صاغوا التنظيم على مثال الدولة فى أدق تقسيماتها الإدارية، فمكتب الإرشاد يوازى مجلس الوزراء، ومجلس شورى الجماعة يوازى مهام البرلمان، ومكاتب الجماعة هى نفسها المحافظات، والمناطق تنطبق حدودها مع الدوائر الإدارية والانتخابية».
يواصل ناصف: «الضربات الأمنية المتواصلة جعلتنا نلجأ إلى الاجتماعات السرية». يقطع الحديث رنين هاتفه ليبلغه شخص ما أن «أخاً لهم» جرى اعتقاله خلال الفعالية التى تم تنظيمها بميدان القومية بعاصمة الشرقية الزقازيق وقت تسجيل اللقاء. يبتسم أحمد: «إحنا متعودين على كده، ومفيش مشكلة فى الاعتقال أو دخول السجن، إحنا ممكن نكون متراقبين دلوقتى، وإحنا بنتعامل مع هذه الضغوط بمرونة». يفسر ناصف عدم انهيار التنظيم نتيجة الضربات الأمنية المتكررة بالقول: «حالياً تم اعتقال 25 ألف منتسب للجماعة، وفقاً لتوثيقنا الرسمى، وغياب قيادات الصفوف الأول والثانى والثالث يدفعنا آلياً إلى اللجوء إلى (الفقه التنظيمى) الذى صار أشبه بالمخزون التاريخى لنا، فى عملية الإحلال والتبديل. تأثرنا نعم، لكن ليس للدرجة التى ينتهى بها التنظيم».