دروس الانتخابات الرئاسية.. الكنبة ليست مكاننا «2- 3»

زياد العليمي الخميس 12-06-2014 21:50

لم تكن الدروس التى أعطاها المصريون خلال أيام التصويت فى الانتخابات الرئاسية للمرشح الفائز وحده، بل يبدو أن المصريين قرروا أن يعطوا درساً ورسائل للجميع، عسى أن يتعلم منها من يريد أن يحظى بثقتهم، وأظن أن الدرس الأهم فى هذه الانتخابات كان للقوى الراغبة فى التغيير.

فخلال الفترة الانتقالية اتخذت السلطات عدداً من الإجراءات التى دفعت قطاعاً كبيراً من قوى التغيير التى ساهمت فى إسقاط نظام مبارك- بوجهيه الحزب الوطنى والإخوان المسلمين- إلى التشكك فى كون البلاد تسير فى طريق التحول الديمقراطى، من قبض عشوائى، وقتل، وتعذيب، وتضييق على حرية الإعلام، وعودة رموز الفساد للظهور، وصولاً إلى انتخابات رئاسية محسومة نتائجها قبل أن تبدأ!!

ودفع سير الفترة الانتقالية على هذا النحو عدداً غير قليل من المؤمنين بالتغيير إلى اعتبار أن الطريق الأصوب هو الدعوة إلى مقاطعة التصويت على الدستور! ثم علا صوتهم بالدعوة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية- باعتبارها مسرحية يجب عدم المشاركة فيها وعدم الاعتراف بشرعيتها- ومع ضعف الإقبال عموماً، شعر الداعون للمقاطعة أن موقفهم هو الموقف الأصح! وهنا يجب أن نعيد تقييم الموقف بناء على ما ترتب عليه من نتائج.

وبالرجوع إلى خبراتنا السابقة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، سنجد أن آخر انتخابات مجلس شورى شارك فيها 7% من المقيدين بالجداول الانتخابية، وهو أمر لم ينزع الشرعية عنه! بل استمر المجلس فى أداء مهامه، وإصدار التشريعات- بشكل منفرد بعد حل مجلس الشعب- دون أن ينتقص عزوف المصريين عن التصويت لهذا المجلس من شرعيته! وبالتالى فإن المقاطعة من دون وجود آليات لحصر المقاطعين- وبيان الفرق بينهم وبين من لم يشاركوا تكاسلاً أو نتيجة عدم الاهتمام- واستخدام هذا الحصر فى إجراءات تصعيدية أخرى، لا يصب فى صالح كتلة التغيير.

ما أعرفه أن الدعوة للمقاطعة عادة ما تنطوى على الرغبة فى نزع الشرعية عن العملية الانتخابية، وبالتالى لا يجب إطلاقها من دون وضع خطة واضحة يتم طرحها على الجماهير، لدعوتهم فى المشاركة فى عدد من التحركات تبدأ بنزع الشرعية عن العملية الانتخابية مروراً بنزع الشرعية عن نظام تمهيداً لإسقاطه، بينما الدعوة للمقاطعة دون طرح تلك الخطة المتكاملة تنطوى على دعم النزوع السلبى داخل المواطنين، وهو أمر لا يستقيم مع الدعوة للتغيير.

أعرف أنه من الصعب أن نشارك فى عملية نعرف نهايتها قبل أن تبدأ، ونرى أن تلك النهاية لا تصب فى صالح الديمقراطية التى نبتغيها، لكننا عرفنا أيضاً أن الشعوب لا تتعلم إلا بالتجربة! وأننا لم نكن لنصل إلى أن يعرف المصريون أن المتاجرة بالدين فى السياسة لن تحل معضلات الوطن لولا أن المصريين قرروا أن يجربوا حكم جماعة الإخوان المسلمين بأنفسهم، وهو نفس ما يحدث الآن بتغيير الحكام فقط.

فعلينا أن ننتبه أننا لم نكن لننتصر، فى أى من المعارك التى خضناها طوال ثلاث سنوات دون مشاركة الملايين من أبناء شعبنا، وأننا يجب أن نخوض المعارك معهم حتى ولو كنا نعلم النتائج مسبقاً! وأن ننبه للأخطار التى تواجه طريق التغيير، وننتظر حتى يثبت الوقت صحة أو خطأ ما نبهنا له. فالشعوب لا تثق فيمن لا يشاركها معاركها، ويقفز إلى النتائج الجاهزة مقدماً. والملايين التى وقفت بجانبنا ونصرتنا، قد تقرر، هى نفسها، أن تجرب بديلاً لا يرضينا. ولا ينبغى علينا أن نمجد شعبنا حين يوافقنا الرأى ويساندنا، ثم نهاجمه ونتعالى عليه ونتهمه باستمراء الاستعباد حين يختار اختيارات لا نراها تصب فى المسار الصحيح! وننعزل عن حركته، فنزداد عزلة، ونحقق بهذا ما يريده أعداء التغيير، وأنصار الاستبداد. ووقتها، لن يجد أبناء شعبنا غير رموز الفساد والاستبداد ليستمعوا لهم. الكنبة ليست مكاننا، بل بين أبناء شعبنا، نخوض معاركهم/ معاركنا معاً.