مونديال تشيلي 1962.. من أي كوكب أتى جارينشا؟

كتب: محمد المصري الإثنين 09-06-2014 02:08

تَقول الأسطورة أن نيلتون سانتوس، الظهير الأيسر لمنتخب البرازيل في مونديال 1962، أخير جناح الفريق «جارينشا» أن «لاعباً من الفريق المُنافس قال أنه يستطيع إيقافك»، سأله بانزعاجٍ «من هو؟» فرد عليه بأن من أخبره لم يَذْكُر اسمه، ثم تركه وذَهب، وحين بدأت المباراة، حَرِصَ الأسطورة «جارينشا» على أن يَمُر من كل لاعب من المُنتخبِ المُنافس، ثم ذهب لـ«سانتوس» وقال له «الآن يُمكنك أن تُخبر من أخبرك أنه سيوقف جارينشا بأنه كاذباً».

يَعتبر البعض أن تلك هي أسوأ بطولة كأس عالم على الإطلاق، إصابة «دي ستيفانو» مع المُنتخب الأسباني قبل يومين من الافتتاح، خروج «بيليه» بشرخٍ في مباراة البرازيل الأولى، مُستوى العُنفِ العالي جداً في مُقابل القيمة الفنية المُنخفضة للمباريات، نُقطة واحدة فقط بَقت مُضِيئة وساطِعَة وخالدة في أذهانِ مُحبي الكرة، وهو ما فعله «ماركو فرانسوا دوس سانتوس»، جناح الطرف الأيمن رَقم 7 في منتخب البرازيل، الشهير بـ«جارينشا».

أسرع من أي لاعب في البطولة، خَفيفٌ كالفراشة، يَلعب بكلتا قدميه، يَصنع الأهداف، ويُسَجّلها، يعود لمساندة الظهير من خَلف خط المُنتصف، يَلتحم مع الخصوم حين يَشعر أنه قد يَفقد الكرة، ويَنتصر بدنياً، لأنه لم يكن يَقبل في أيّ لحظة أن يفقدها.

ذهبت البرازيل إلى «تشيلي» وهي المُرشَّح الأول للفوزِ بالبطولة، دون مرشح ثانٍ، ولكن إصابة «بيليه» بعد إحرازه لهدفٍ في المباراةِ الأولى ضد المكسيك كانت قاصمة جداً، التعادل مع المنتخب التشيكوسلوفاكي القوي جداً في المباراة الثانية كان مُقلقاً، وما هو أكثر قلقاً هو انتهاء الشوط الأول أمام أسبانيا في المباراة الثالثة متأخرين بهدفٍ، وبأداءٍ ضعيف، وركلة جزاء صحيحة لم تُحْتَسَب للأسبان، حامل اللَّقَب على وَشكِ توديع البطولة.

وما حَدَثَ بعد ذلك أن «جارينشا» استعاد إيقاع «الزنوج الثلاثة المتمردون» قبل أربع سنوات، دون «بيليه» في تلك المرة، نَثَرَ سِحره على أرضِ المَلعب، كُل كرة استلمها وَصَل بها إلى الخَط ليَنْظُر ويَرفع، يَصرح المُذيع «لا أحد يستطيع إيقاف جارينشا»، والحصاد كان هدفين بقدمِ ورأس «ألميردا»، بديل «بيليه» الذي أخبره «جارينشا» بعد المباراة الثانية أن «ما من أحدٍ ينتظر أن تفعل مع يفعله بيليه، فحاول فقط أن تستمتع».

لاحقاً، كان في جُعْبَةِ «جارينشا» ما هو أكثر، هدفين في دور الثمانية، أحدهما بالرأسِ والآخر بتسديدةٍ بعيدة ومثالية بالقدمِ اليُمْنَى، في مرمى إنجلترا بوبي شارلتون، قبل أن يصطدم بأصحابِ الأرض، المنتخب التشيلي الذي خرج من معركةٍ حربية أمام إيطاليا في مرحلة المجموعات انتهت بهدفين وتأهل وعدّة كسور، ثم صراعاً آخر أمام الإتحاد السوفييتي، قبل أن تُلاعب البرازيل في الدور قبل النهائي، ليتم التأكد من أن المباراة النهائية ستكون بين فريق من أمريكا اللاتينية وآخر من أوروبا.. حيث لعب المباراة الأخرى «يوجوسلافيا» و«تشيكوسلوفكيا»، وفازت الأخيرة 3-1، مؤكدة أنها أفضل فريق أوروبي في تلك الدورة.

في مباراة «تشيلي» قدَّم «جارينشا» أعظم مبارياته على الإطلاق، وأمام 76 ألف مُشجّع أتوا لمؤازرة بلدهم المُستضيف.. أحرز، مُبكراً جداً، هدفي التقدّم للبرازيل، الأول منهم هو واحد من أفضل أهداف تلك البطولة، استلامة هادئة على حدودِ منطقة الجزاء، ثم بيُسراه في «حَلْقِ» المَرمى، قبل أن يحرز الهدف الثاني من رأسية، البرازيل تأهلت في النهاية بالفوزِ 4-2، بعد أن أحرز «فافا» هدفين في الشوطِ الثاني، والبطل الذي بدأ البطولة مُترنّحاً، أثبت أفراده عن أنهم قادرين على الفوزِ بها حتى من دون «بيليه»، يكفي أن هُناك «ديدي» و«زيتو» و«سانتوس» و«فافا» و«أميرلدو»، وقبل كل شيء كان هُناك «جارينشا»، الذي تساءَلت صحيفة «ميركوريو»، في صَدر صفحتها الأولى بعد المباراة: «من أيّ كوكب أتى؟».

تشيكوسلوفكيا بدأت المباراةِ النهائية بقوةٍ، بدت الطرف الأفضل، وصلت بثلاثِ انفرادات لمرمى الحارس البرازيلي «جيلمار»، وأحرزت هدفاً في الدقيقة 15، ولكن «أميرلدو»، مُهاجم البرازيل، أنسى الجميع «بيليه»، ولو لعدةِ دقائق فقط، حين أحرز ما يعتبره البعض أجمل أهداف البطولة، من زاويةٍ صعبة للغاية، بعد دقيقتين فقط من تقدُّم التشيكوسلوفاكيين.

خلال البقية الباقية من المباراة، تسيّدت البرازيل كل شِبر في المَلعب، لم تَكُن مباراة «جارينشا»، ولكنها بامتياز كانت مباراة «ديدي» و«زيتو»، لتفوز البرازيل في النهاية 3-1، وتؤكد أنها أفضل دولة عَرِفَت كرة القدم.