حينما ضرب ديليسيبس معوله للمرة الأولى للبدء في مشروع ربط البحرين الأبيض والأحمر بقناة لم تكن هذه هي البداية، وإنما سبق حفر القناة قنوات أخرى لم يقدر لها الاستمرار.
يذكر التاريخ أن أول عملية ربط بين البحرين تمت بشكل غير مباشر عن طريق قناة قريبة من نهر النيل، حيث أنشأ الملك الفرعونى سنوسرت الثالث، أحد ملوك مصر، المشروع، وتم افتتاحها عام 1874 ق. م، وتم إهمالها وأعيد فتحها عدة مرات، ثم كانت قناة سيتى الأول عام 1310 ق. م، وقناة نخاو عام 610 ق. م، ثم قناة دارا الأول عام 510 ق. م وقناة بطليموس الثانى عام 285 ق. م، ثم قناة الإسكندر الأكبر 335 ق. م وقناة الرومان (راجان) عام 117 ق. م وقناة أمير المؤمنين التي حفرها عمرو بن العاص عام 640 م، التي أمر الخليفة أبوجعفر المنصور بردمها وسدها من جهة السويس لمنع أي إمدادات من مصر إلى أهالى مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسى في 1820.
وفى عهد محمد على باشا كان هناك عرض أجنبى لحفر قناة مباشرة تربط بين البحرين الأبيض والأحمر، وذكرت جريدة الوقائع المصرية في عام 1846 أن مهندسين أوروبيين حضروا إلى مصر لإجراء أبحاث للتحقق من ارتفاع سطحى البحرين الأبيض والمتوسط، تمهيدا لإنشاء قناة تصل بينهما، وشارك في الأبحاث 7 مهندسين مصريين، لكن محمد على رفضه لانشغاله بمشروعات أخرى كبرى.
وعاد المشروع للنور مجدداً عام 1854 في عهد ولاية الخديو محمد سعيد باشا، ابن محمد على، حيث وصل ديليسيبس إلى مصر وتوثقت صداقته بالباشا سعيد الذي وافق على منحه امتياز حفر القناة في 30 نوفمبر ولمدة 99 سنة.
وبعد عام توجه ديليسيبس ومعه أعضاء مجلس إدارة الشركة إلى المكان الذي صار لاحقاً بورسعيد، حيث أقيم احتفال كبير شارك فيه ديليسيبس والخديو العمال الاحتفال، غير أن بريطانيا غضبت واعترضت بشدة على هذا المشروع، خوفاً على مصالحها في الهند، فأوعزت للباب العالى بإيقاف المشروع، ولكن تم حل هذه الأزمة. وفى 5 يناير 1856 صدرت وثيقتان هما عقد الامتياز الثانى وقانون الشركة الأساسى، وفى الفترة من 5 إلى 30 نوفمبر 1858 تم الاكتتاب في أسهم شركة قناة السويس، وبلغ عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب 400 ألف سهم بقيمة 500 فرنك للسهم الواحد، وتمكن ديليسيبس بعدها من تأسيس الشركة وتكوين مجلس إدارتها.
وفى 25 إبريل 1859 أقيم حفل بسيط ببورسعيد للبدء بحفر القناة وضرب مسيو ديليسيبس بيده أول معول في الأرض، إيذاناً ببدء الحفر، وكان معه 100 عامل حضروا من دمياط، ولم يتمكن العمال بعدها من استكمال حفرهم بسبب معارضة إنجلترا والسلطان العثمانى، وتم استئناف الحفر في 30 نوفمبر 1859 ووصل عدد العمال المصريين إلى 330 عاملا والأجانب 80 عاملا.
ويعتبر عهد الخديو إسماعيل الذي تولى الحكم في 1863 هو عهد الميلاد الحقيقى للقناة، حيث تم استئناف المشروع واكتمل في عهده، وأنشأ محافظة القنال في مارس 1863 برئاسة إسماعيل حمدى بك، وفى 15 أغسطس ضربت الفأس الأخيرة في حفر القناة، وتم اتصال مياه البحرين في منطقة الشلوفة، واستغرق الحفر 10 سنوات انتهت في 1869. طوال السنوات العشر مات 341080 عاملاً من الفلاحين الذين تم جلب أكثريتهم للعمل بالسخرة وفى ظروف بالغة السوء، ثم كان حفل الافتتاح الأسطورى الذي أقامه الخديو إسماعيل في 16 نوفمبر 1869، حيث حصلت الحكومة المصرية على 44% من أسهم القناة باعها إسماعيل بعد 6 سنوات.