في هذا الوقت الذي حفلت فيه الملاعب بالعديد من المدربين أصحاب المستوى الراقي، يشعر المدرب الإسباني فيسنتي ديل بوسكي، المدير الفني للمنتخب الإسباني لكرة القدم، أنه على أبواب إنجاز تاريخي جديد يضاف لمسيرته الحافلة بالإنجازات في عالم التدريب.
ويواجه ديل بوسكي تحديًا هائلًا عندما يخوض مع فريقه فعاليات بطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل للدفاع عن اللقب العالمي الذي أحرزه قبل أربع سنوات في جنوب أفريقيا.
وعلى مدار مسيرته التدريبية، مر ديل بوسكي، صاحب الـ63 عامًا، بالعديد من المحطات التي لاتزال حاضرة في ذهنه حتى الآن ومن بينها إقالته من تدريب ريال مدريد بعد ساعات قليلة من فوزه مع الفريق بلقب الدوري الإسباني.
كما نال ديل بوسكي شهرة طاغية واعترافًا هائلًا بإمكانياته من خلال مسيرته الناجحة مع المنتخب الإسباني ولكنه مازال يتعرض لانتقادات البعض.
وقال ديل بوسكي، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية «د.ب.أ» قبل عام واحد، «إذا كانت هناك فضيلة واحدة في الحياة فهي الاتزان» في إشارة منه إلى أنه لا يفضل التمادي أو الإسراف في الابتهاج عند الفوز كما يرفض التمادي في الحزن والانكسار عند الهزيمة.
وتبدو كلمة «الاتزان» هي الكلمة الأكثر تعبيرًا عن ديل بوسكي، هذا الرجل الذي ينتمي للمدرسة القديمة والمدرب الذي يهرب من الأضواء ويحاول دائمًا تحويل مسار أي إشادة ينالها إلى لاعبيه.
ولكن هذا لا يعني أن هذا المدرب المخضرم يخلو من الأنانية أو الغرور، ولهذا يرفض ديل بوسكي أن يعرفه البعض بأنه «مدير للفريق بغرف تغيير الملابس»، والتي تشير في المقام الأول إلى أن نجاحه يعتمد على قدرته على إحكام قبضته على تصرفات اللاعبين ومعرفة كيفية تحفيزهم بالشكل الأمثل وأن هذه النواحي تفوق كثيرًا إمكانياته الفنية والخططية كمدرب للفريق.
ويرى ديل بوسكي أن الفوز بالألقاب يحتاج منه أن يكون أكثر من محفز جيد للاعبين.
وكان ديل بوسكي لاعبًا جيدًا بخط الوسط، حيث تألق كلاعب في صفوف ريـال مدريد، وبعدها بعقود، ظل ديل بوسكي مخلصًا للنادي الملكي، وقال إنه نال قيمه الاحترافية من هذا النادي العملاق.
وعندما أنهى ديل بوسكي مسيرته كلاعب، تولى العمل في قطاع الناشئين والشباب بالنادي، واعترف «التعليم كان مهنتي وموهبتي، واعتقدت أنني سأقضي حياتي كلها في قطاعات الناشئين والشباب».
ولكن حادثًا تسبب في تغيير وجهة نظره حيث حل مكان المدرب الويلزي جو توشاك في تدريب الفريق الأول بريـال مدريد وكان عليه تأكيد أحقيته بهذا المنصب منذ بداية مسيرته مع الفريق.
وردًا على هؤلاء الذين رأوه في هذا الوقت كمدرب مؤقت تولى المنصب بسبب الظروف، قال ديل بوسكي وقتها «نعم، ينتابني شعور بأنني مدير فني».
وفي ذلك الموسم «1999/ 2000»، فاز الريـال بلقب دوري أبطال أوروبا بينما لم يكن هناك من يثق في قدرة الفريق على تحقيق هذا ليكون اللقب بمثابة جوهرة أبهرت الجميع وصدمت كثيرين.
وأنهى ديل بوسكي مسيرته مع الريـال بأفضل سجل ممكن حيث تُوج بلقب الدوري الإسباني مرتين وأحرز لقب دوري الأبطال في موسمين أيضًا إضافة للقب في كأس إنتركونتيننتال بخلاف ألقاب أخرى في غضون الأربعة أعوام التي قضاها في قيادة الفريق.
ولكن ديل بوسكي اعتاد، ولايزال معتادًا، على افتقاد لمسة التأنق، أو ما يعني بشكل أكثر وضوحًا أنه يفتقد للتسويق الجيد.
وأقال الريـال المدرب الكبير ديل بوسكي بعد فوزه بلقب الدوري الإسباني في 2003، لأن فلورنتينو بيريز، رئيس النادي ،وساعده الأيمن الأرجنتيني خورخي فالدانو أرادا، مدربًا أكثر حداثة.
وحل البرتغالي كارلوس كيروش مكان ديل بوسكي نظرًا للضجة التي أحاطت كيروش في ذلك الوقت.
ولكن المدرب البرتغالي لم يفز بأي شيء في ذلك الوقت بل ولم يحقق مع الفريق ما يستحق ذكره في تاريخ الريال.
وبعد مغامرة سيئة الحظ مع بشكتاش التركي في 2004، اضطر ديل بوسكي للانتظار أربع سنوات حتى وجد عملا آخر وكان هذا العمل هو خلافة المدرب الراحل، لويس أراجونيس، في قيادة الفريق بعد كأس الأمم الأوروبية «يورو 2008».
وتوج أراجونيس، الذي وافته المنية في وقت سابق من العام الحالي، مع الفريق بلقب يورو 2008 قبل أن يترك تدريب الفريق رافضًا تمديد العقد.
ولم تكن مهمة ديل بوسكي صعبة فقط لأنه سيتولى تدريب المنتخب بعد تتويجه باللقب الأوروبي، وإنما للأسلوب الذي قدمه الفريق تحت قيادة ديل بوسكي والذي نال إعجاب العالم كله، حيث اعتمد على اللعب بذكاء والتذوق التام لجمال اللعبة، إضافة لاعتماده على التمريرات القصيرة المتقنة والجميلة والاستحواذ على الكرة.
وصرح ديل بوسكي، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية خلال كأس القارات 2013 بالبرازيل، قائلًا «أقول أحيانًا إن علينا جميعًا أن نتحلى بعقلية لاعبي خط الوسط، وأعني بهذا أنه يتعين علينا أن ننفذ المهام الدفاعية ونبني الهجمات ونشارك في الهجوم، إذا كان لدينا عشرة من لاعبي خط الوسط، سيكون الأداء أفضل».
ولم يحافظ ديل بوسكي على نموذج الأداء الذي قدمه أراجونيس من قبله فقط وإنما سعى إلى تحسينه للوصول به إلى حد التكامل.
كما دشن ديل بوسكي شيئًا آخر، وهو ما يطلق عليه «التجديد الصامت» من خلال إدراج مواهب جديدة وشابة في صفوف الفريق بشكل تدريجي لا يمكن الإحساس به، وإن ترك أثرًا كبيرًا في تجديد دماء الفريق والعمل لمستقبل المنتخب الإسباني.
وشملت قائمة المنضمين للفريق تحت قيادة ديل بوسكي لاعبين مثل سيرخيو بوسكيتس وجيرارد بيكيه وخوردي ألبا وخافي مارتينيز، وساهمت هذه الإضافات في مساعدة الفريق على استكمال دورة النجاح، حيث توج الفريق مجهوداته بعد الفوز بلقب يورو 2008 بلقبه العالمي الأول من خلال كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا، ثم أحرز لقب يورو 2012 ليصبح أول منتخب في التاريخ يفوز بثلاثة ألقاب متتالية في بطولتي كأس العالم وكأس أوروبا.
والآن، يواجه ديل بوسكي التحدي الأكبر في مسيرته الكروية والتدريبية وهو الحفاظ على اللقب العالمي ليكون الفريق حصد بهذا لقبين في كأس العالم وآخرين في كأس أوروبا في غضون ست سنوات فحسب.
ولكن ديل بوسكي سيخوض هذا التحدي بفريق لم يعد كما كان في السنوات الماضية، حيث أصبح اللاعبون أكبر سنًا، خاصة تشافي هيرنانديز، صانع الألعاب، وإيكر كاسياس، حارس مرمى الفريق، ونجم خط الوسط تشابي ألونسو، والمهاجم ديفيد فيا.
ولكن شيئًا واحدًا يبقى مؤكدًا مهما حدث وهو أن طبيعة ديل بوسكي ستظل كما هي سواء كان فائزًا أو خاسرًا لأن طبيعته تبدو دائمًا دليلًا على أنه من الصعب أن يشعر بالخوف أو الارتباك.