واصلت قوات اللواء الليبى المنشق، خليفة حفتر، الخميس، الذى يقول إنه يحارب «الإرهاب» فى بلاده، تنفيذ ما يسمى بـ«عملية كرامة ليبيا»، عبر شن غارات جوية على مجموعات إسلامية مسلحة فى بنغازى، فى تصعيد ميدانى جديد فى بلد يغرق فى الفوضى، فى حين اعتبر محللون أن العملية العسكرية، التى عمّقت الصراع بين الليبراليين والإسلاميين فى ليبيا، يكتنفها الغموض، خاصة فيما يتعلق بأهدافها.
فمن ناحيته، قال المحلل السياسى عبدالحكيم بريدان، لوكالة الأنباء الفرنسية: «على الرغم من الدعم الذى حصده (حفتر) يكتنف عملية كرامة ليبيا غموض وضبابية فى الغايات والأهداف، وإن كان المعلن عنه أنها موجهة لاجتثاث الإرهاب الذى بدا متفشياً فى البلاد»، وأضاف: «قائد العملية لم يفصح عن مكامن الإرهاب الذى سيواجهه، ولم يفصح كذلك إن كان لديه متهمون واضحون يقفون خلف سلسلة الاغتيالات التى شهدتها ليبيا طيلة السنوات الـ3 الأخيرة أم لا».
ورأى «بريدان» أن «حملة (حفتر)اتسمت بالعشوائية فى العمل والانتقائية فى الأهداف، بعد أن توجه بها إلى مقار لميليشيات ثورية هى الأكثر انضباطية من غيرها»، بحسب قوله.
كانت قوات عسكرية غير نظامية، يتزعمها «حفتر»، شنت، فى 16 مايو الجارى، عملية «كرامة ليبيا» ضد جماعات من كتائب الثوار السابقين، خصوصاً الذين لديهم ميول إسلامية بدعوى «مكافحة الإرهاب»، وهاجم مسلحون موالون لـ«حفتر» مبنى «المؤتمر الوطنى العام»، البرلمان، فى طرابلس، مطالبين النواب بتسليم السلطة، ما أدى إلى أسوأ اشتباكات تشهدها العاصمة منذ شهور، ونجح «حفتر»، الذى تمرد على الزعيم الليبي الراحل، معمرالقذافى، فى الثمانينيات، فى حشد الدعم له، إذ أعلنت عدة وحدات بالجيش وضباط كبار وساسة وشيوخ قبائل الولاء لحملته على جماعة «أنصار الشريعة» المتشددة وغيرها من الجماعات الإسلامية، لكن يبقى من الصعب قياس مدى الدعم الذى يمكن للواء «حفتر» أن يكتسبه فى القوات المسلحة الناشئة، أو بين شبكة المقاتلين فى بلد تتم فيه التحالفات على أسس قبلية وإقليمية وسياسية.
وتقول دراسة أعدها «مركز العربية للدراسات» إن قدرة «حفتر» على السيطرة على كافة مقاليد الوضع الأمنى فى البلاد مرهونة بمدى قدرته على إقناع مزيد من الأطراف الفاعلة على المستوى الأمنى بالوقوف إلى صفه فى مواجهة التيار الإسلامى وحلفائه فى ليبيا، معتبرة أنه لن يستطيع تحقيق نصر حاسم بقواته وحدها.
وحول أسباب الدعم الذى حصل عليه اللواء الليبى حتى الآن، قال الخبير العسكرى عبدالله الكبير، وهو مقدم متقاعد من الجيش، إن «الجميع رأى فى (حفتر) وقواته حبل النجاة الأخير الذى من الممكن أن يخرج بهم إلى بر النجاة، على الرغم من معرفة جميع من يلتف حوله أن حفتر يقود انقلاباً عسكرياً يسعى من خلاله للوصول إلى السلطة».
ومن ناحيته، ينفى «حفتر» أن تكون عملية «كرامة ليبيا» انقلاباً أو أن يكون الهدف منها السيطرة على السلطة، مؤكداً أن هدفها «محدد» وهو «اجتثاث الإرهاب» من ليبيا.
وربما يشير تحرك «حفتر»، والعنف الذى شهدته طرابلس وبنغازى، إلى محاولة لتكوين جبهة أعرض مناوئة لـ«الإسلاميين»، لكن أى محاولة لتحقيق ذلك ستلقى على الأرجح مقاومة سياسية وميدانية، الأمر الذى ينذر بمعركة أوسع نطاقاً فى ليبيا، التى ما زالت تكافح لتشكيل ديمقراطيتها الهشة، خاصة وأن «أنصار الشريعة»، هددت «حفتر»، وتوعدته بمصير مشابه لـ«القذافى»، وفى هذا الصدد، يقول سعد نجم، الخبير فى شؤون الجماعات الإسلامية: «نرى هذا القتال العنيف من الثوار السابقين الذى يقفون فى مواجهة حفتر، ليس دفاعاً عن الإرهاب الذى طالهم أيضاً، وإنما حفاظ على النفوذ والمزايا التى تحصلوا عليها عقب نصرهم فى معركة دحر (القذافى)»، وتوقع «نجم» تصعيداً ميدانياً ومزيداً من الفوضى فى الفترة المقبلة، قائلاً: «عقب هذا الدعم الشعبى (لحفتر) قد نرى منحى آخر للعنف بانتشار التفجيرات فى أماكن التجمعات والأسواق والدوائر العامة بعد تكفيرها، فى حال انضمت للعملية طبعاً وهو ما لا تحمد عقباه».
ومن جهتها، تخشى القوى الغربية والدول المجاورة لليبيا من أن تؤدى حملة حفتر إلى انقسام داخل الجيش الليبى حديث العهد، والميليشيات المتحالفة معه، لتنزلق البلاد إلى فوضى شاملة.