ياسر أيوب يكتب: ميشيل بلاتينى

الثلاثاء 25-05-2010 00:00

باتت المسألة تتجاوز بكثير مجرد الاستمتاع بالكرة الأوروبية وبطولاتها ومبارياتها والتوقف بين الحين والآخر بإعجاب أو انبهار أمام نجم أو مدرب أو حتى ميشيل بلاتينى، رئيس الاتحاد الأوروبى لكرة القدم، فنحن نحتاج لأن نتعلم لأننا بالفعل لا نعرف شيئاً، ولأنه مستحيل أن نبقى هكذا على حالنا، بنفس كسلنا وبلادتنا وعنادنا، ونتخيل أن الكرة فى بلادنا ستتطور من تلقاء نفسها أو بمرور الزمن، بينما تمضى أيامنا فلا نجنى إلا مزيدا من الإحباط والفضائح والأزمات التى أبداً لا تنتهى.

ولست هنا أتحدث عن بلاتينى كنجم كروى كبير وشهير، ونجاحاته لفرنسا ومعها ومن أجلها، وإنما أتحدث عن رئيس الاتحاد الأوروبى لكرة القدم، رئيس جاء مقتنعاً وفاهماً أن مهمة أى رئيس ناجح ليست أبداً مجرد تسيير الأمور حتى تنتهى فترة ولايته، وإنما لابد أن يملك أولا رؤية واضحة للمستقبل، ويملك ثانياً قدرة هائلة على وضع خطط محكمة وواقعية بقصد استثمار كل الظروف والأحوال لمصلحة الاتحاد الذى يديره، والأهم أنه يملك ثالثاً القوة الكافية لتطبيق رؤيته وتنفيذ خططه.

وتسلم بلاتينى رئاسة اتحاد أوروبا فصدمته الأزمة المالية العالمية، تماماً مثل الأزمة المالية الدائمة فى مصر، وكان من الممكن أن يستسلم بلاتينى متعللاً بأزمة يشكو منها العالم، تماماً مثلما يحترف هذا الاستسلام رئيس أى اتحاد وأى ناد فى مصر، لكن بلاتينى اعتمد على دراسات علمية اقتصادية ونفسية واجتماعية تؤكد أنه كلما كانت هناك أزمة، احتاج الناس أكثر لترفيه ومتعة كرة القدم.

وبسرعة أدرك بلاتينى أنه يملك بالضبط ما يحتاجه كل المحبطين والخائفين والعاطلين والشاعرين بالملل أو الاغتراب أو الضياع.. الكرة.. فقرر أن يعيد شكل سلعته وتجميلها وإيصالها إلى الجميع. أعاد جدولة دورى الأبطال الأوروبى، وفكك مبارياته لتقام فى أيام كثيرة جداً، وأجبر القنوات التليفزيونية الكبرى على إذاعة بعض هذه المباريات مجاناً للجميع بين الحين والآخر، ونقل النهائى التاريخى من الأربعاء إلى السبت، ورفض قبول فكرة الكرة كلعبة للأغنياء أو الأندية الكبيرة وحدها.

والمهم فى ذلك كله أن الجميع استجابوا لبلاتينى وأطاعوه ووافقوا على كل تغييراته مهما أرهقت وأربكت حساباتهم، فالناس حين تتأكد أن الرئيس يسعى وراء المصلحة العامة يسيرون وراءه، ولو شعروا أنها مصلحته الشخصية يرفضون أى قرار له حتى لو كان قرار منها لمصلحتهم هم، فالأندية القوية استجابت لبلاتينى، وشبكات التليفزيون لم تلتزم بتعاقداتها ووافقت «بلاتينى» على تغييراته، حتى الاتحادات المحلية فى أوروبا لم تمانع من تغيير جداول مسابقاتها لتتماشى مع رغبات بلاتينى، فلماذا لا يسير الجميع وراء رجل ثبت أنه لا يسعى وراء أى مكاسب أو مصالح شخصية.

رجل لم يحلم أبداً بإرضاء كل الأطراف فيكتشف فى النهاية أنه خسر الجميع بلا استثناء، وكانت النتيجة أن تغير تماماً شكل وواقع الكرة الأوروبية.. وتخيلوا معى لو أن بلاتينى جاء ليدير الكرة فى مصر ويقدمها بحب واحترام كسلعة جميلة وأساسية لكل المحبطين والمهمشين والخائفين والغاضبين، ليحيل مؤسساتها وأنديتها إلى سوق رابحة وقوية ومحترمة أيضاً، بلا خوف ولا فساد ولا صفقات باطلة وقرارات مشبوهة؟!

yayoub@gmail.com