هانى عزيز يكتب: لماذا إيطاليا؟ ولماذا هذا التوقيت؟

الأحد 23-05-2010 00:00

يتبادر هذان السؤالان للذهن عند سماع نبأ زيارة السيد الرئيس محمد حسنى مبارك لإيطاليا للمرة التاسعة، خصوصا فى ظل الأجواء المحتقنة التى لا تقتصر على منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقى فحسب، ولكن مع وجود أزمة اقتصادية أوروبية تشهدها اليونان وتهدد دولا من منطقة البحر الأبيض المتوسط.. من هنا تأتى الإجابة عن هذين السؤالين.

إننا إذا ما عرفنا أن إيطاليا تعد الشريك التجارى الأول لمصر على الصعيد الأوروبى - سواء فى حجم التجارة أو فى استيعاب الصادرات المصرية، وهى الشريك الثانى على مستوى دول العالم بعد الولايات المتحدة، حيث تخطى حجم التبادل التجارى بين البلدين حاجز الخمسة مليارات يورو،

بينما تأتى فى المرتبة الثامنة، من حيث مساهمتها فى رؤوس أموال الشركات المُستثمرة فى مصر بأكثر من 650 شركة، حيث زاد خلالها حجم تدفق الاستثمارات الإيطالية لمصر بحوالى 162%، مُقارنةً بما كان عليه فى عام 2005 - لأدركنا أنها المنفذ الأمثل للنفاذ لمنطقة اليورو التى تضعها القيادة المصرية ضمن أولويات التوجه الاقتصادى الخارجى، باعتبار أن التفاعل مع أوروبا هو أحد السبل للنهوض بالاقتصاد القومى المصرى، خصوصا أن لمصر سابق تجربة شراكة أوروبية ثنائية رائدة مع ألمانيا خلال التسعينيات من خلال مشروع مبارك - كول، الذى حقق طفرة فى مجالات متعددة كالتعليم والاتصالات.

غير أن الأمر لا يقتصر على هذا البعد التقليدى فى المرحلة الحالية، نظرا لمستجدات عديدة جعلت توثيق هذا التعاون أكثر ضرورة وإلحاحا، فالتطورات التى تشهدها الهضبة الإثيوبية ومنطقة منابع نهر النيل تخرج عوامل التحكم فيها عن الإطار الإقليمى – مع أهمية التعامل مع هذا المحور من داخل القارة الأفريقية من واقع مكانة مصر التاريخية وتواجدها السياسى والاقتصادى فى أفريقيا وبوسائل الاتصال والحوار المباشر مع الأطراف المعنية وهذا ليس بعسير على الدبلوماسية المصرية الرائدة - إن الأمر يتعدى ذلك ليصل إلى عناصر حاكمة ذات نفاذ فاعل على تلك المنطقة،

وليس هناك أفضل من إيطاليا ذات الميراث الثقافى فى منطقة القرن الأفريقى والحبشة وأحد أكبر المستثمرين فى تلك المنطقة، التى تحسب من أكبر الدول المانحة والمؤثرة على هذا القطاع ولكونها إحدى الدول الثمانى الكبرى التى تحدد توجهات الاقتصاد العالمى والعلاقة التى تربط بين الشمال المتقدم والجنوب النامى وما يسرى على قضية منابع نهر النيل يسرى كذلك على مشكلتى دارفور وجنوب السودان، اللتين تؤثران بشكل مباشر على الأمن القومى المصرى.

كذلك فإن تدعيم العلاقات الأورومتوسطية يعتبر كذلك من محاور العمل المستهدفة من خلال هذه الزيارة، خصوصا فى ضوء الشراكات والبرامج التمويلية التى تمد بها إيطاليا مصر لتعزيز بنيتها التحتية ولفتح آفاق تعاون تصديرى بين مصر وإيطاليا أمام الصادرات الزراعية والصناعات المصرية الناشئة، التى تسعى لإيجاد منفذ تسويقى بأوروبا، خصوصا فى ظل دعوات ظهرت فى أوروبا تنادى بإغلاق آفاق التصدير الزراعى أمام الدول من غير منطقة الاتحاد الأوروبى والاكتفاء ذاتيا فى هذا المجال من خلال البلدان الزراعية الأوروبية، وهو ما يضير بقطاع التصدير الزراعى المصرى بشكل كبير.

بخلاف ذلك، تتعدد أوجه التعاون الأمنى الحتمية بين مصر وإيطاليا لكونها أقرب الموانئ الأوروبية، ومن ثم هى قبلة الهجرات غير الشرعية من مصر - سواء المستهدفة لإيطاليا أو التى تسعى للتسلل منها لباقى البلدان الأوروبية - بما ينعكس سلبا على صورة مصر فى سائر أوروبا، وقد شهد هذا القطاع تعزيزا كبيرا فى العلاقات بين مؤسستى الأمن بالبلدين، أدى لتراجع هذه الظاهرة بشكل يكاد يكون تاما خلال الفترة الأخيرة، فضلاً عن توقيع اتفاق تشغيل العمالة الموسمية تحت رعاية وزارة القوى العاملة والهجرة بالتعاون مع وزارة العمل الإيطالية لتشغيل 2500 عامل مصرى بإيطاليا اعتبارا من صيف 2010.

أعزائى القراء.. أعتقد وكلى يقين أن سعة أفق السيد الرئيس قد قادته للرهان على الفرس الرابح، الذى يمكن أن يحقق لنا أهدافاً عدة، سواء دولية أو إقليمية، من خلال التركيز على شريك أوروبى أساسى ذى نفاذ واسع على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بالإضافة إلى مكانته الأوروبية العتيدة، مع عدم إغفال باقى الشركاء الأوروبيين، الذين يعتبرون أن مصر بسياستها المعتدلة والرشيدة هى عنصر التوازن وصمام الأمان الذى يحمى المنطقة، وهذا يرد فى حد ذاته على أصوات تعالت خلال الفترة الماضية، لماذا إيطاليا بالذات ولماذا تتعدد الزيارات.

*عضو لجنة العلاقات الخارجية بالحزب الوطنى الديمقراطى

أمين عام جمعية محبى مصر السلام

info@hanyaziz.net