أقر مجلس الشيوخ الأمريكى أوسع إصلاح مالى منذ ثلاثينيات القرن الماضى عبر تبنى مشروع قانون ديمقراطى يشدد القيود على القطاع المالى، تفادياً لحدوث أزمات على شاكلة الأزمة المالية التى تفجرت فى خريف 2008. فى الوقت نفسه حذر البنك المركزى الأمريكى من أن أزمة ديون أوروبا تهدد انتعاش الاقتصاد الأمريكى وقد تشغل أزمة مالية عالمية جديدة.
وتم تبنى مشروع القانون، الذى وصف بالتاريخى وبأنه نصر للرئيس باراك أوباما، بأغلبية 59 صوتا مقابل 39، بعد انضمام نواب جمهوريين ومستقلين للديمقراطيين إثر نقاشات فى المجلس استغرقت 3 أسابيع أدت إلى حوالى 60 تعديلا بعد استبعاد عشرات الإجراءات الأخرى المقترحة. ولايزال يتعين إجراء تعديلات أخيرة عليه قريبا كى يتوافق مع صيغة مختلفة تبناها مجلس النواب فى وقت سابق. قبل توقيع الرئيس باراك أوباما على القانون الجديد.
وقال زعيم الأغلبية الديمقراطية فى مجلس الشيوخ هارى ريد إنه يتطلع إلى تصويت جديد بشأن التعديلات الأخيرة. وأضاف «ريد» بعد جلسة التصويت: «لن يعود من الممكن بعد الآن المراهنة بأموال الناس»، واستطرد «حين يصدر مشروع القانون، ستنتهى اللعبة فى وول ستريت». وأشاد «ريد» بالجمهوريين الـ4 «الشجعان» الذين صوتوا لصالح النص، فيما صوت ديمقراطيان ضده، مطالبين بإدخال تعديلات عليه.
وفى الوقت نفسه، قال العضو الديمقراطى فى لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب بارنى فرانك إنه واثق من أن أوباما سيوقع قانون الإصلاح المالى قبل 4 يوليو المقبل. وحين يسرى مطلع ذلك الشهر، سيحظر القانون الجديد على المؤسسات المالية فى وول ستريت ممارسات تنطوى على مخاطر كبيرة، وهى الممارسات التى عُدّت من الأسباب الرئيسية للأزمة المالية التى هزت أمريكا ثم العالم فى 2008.
وسيعزز الإصلاح الرقابة على قطاعات لم تكن تخضع لرقابة صارمة فى وول ستريت من بينها صناديق التحوط والمشتقات ويفرض قيودا على عمليات إنقاذ المؤسسات المالية الكبرى التى تواجه صعوبات على حساب دافعى الضرائب. كما يفرض شفافية أكبر على المؤسسات المالية، وينشئ لأول مرة وكالة تطبق قواعد المنافسة للدفاع عن مصالح المستهلك الأمريكى.
ومن الإجراءات التى تم إقرارها نص يلزم البنك المركزى الأمريكى «الاحتياطى الفيدرالى» بمزيد من الشفافية، إذ ينص على تدقيق مالى كامل يتولاه مكتب المحاسبة الأمريكى على مدى سنة. ويعطى تعديل آخر المندوب الأمريكى لدى صندوق النقد الدولى إمكانية معارضة «عمليات إنقاذ دول أجنبية» على حساب المكلفين الأمريكيين من خلال منحها قروضا من المؤسسة الدولية إذا كان ثمة «احتمال بعدم سداد» هذه القروض.
وعلق أوباما على عملية التصويت التى أنهت المناقشات، مبديا ارتياحه لعدم تمكن «عصابات مجموعات الضغط» من عرقلة مشروع القانون. وقبيل تمرير المشروع، قال الرئيس الأمريكى إن الإصلاح المالى خطوة مهمة ستعزز اقتصاد بلاده وتمنع وقوع أزمة أخرى فى المستقبل. وكان الجمهوريون عارضوا بشدة الإصلاح المالى المقترح، بيد أن معارضتهم لانت فى الآونة الأخيرة لخشيتهم من أن يضعف موقفهم إن استمروا فى تعطيل الإصلاح مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفى لمقاعد الكونجرس الأمريكى فى نوفمبر المقبل.
فى غضون ذلك، حذر دانيل تارولو، عضو مجلس محافظى الاحتياطى الاتحادى (البنك المركزى الأمريكى)، من أنه إذا لم يتم احتواء مشاكل ديون أوروبا فإنها قد تؤدى إلى تجمد أسواق المال وتثير أزمة عالمية على غرار الأزمة التى شهدتها الأسواق العالمية فى 2008.
وقال تارولو، فى شهادة أعدها لإلقائها أمام الكونجرس: «مشاكل الديون السيادية الأوروبية هى انتكاسة خطيرة محتملة» ومازال قلق المستثمرين مركزا حول اليونان لكن المخاوف تتزايد من أن صندوق الإنقاذ البالغ حجمه نحو تريليون دولار الذى أنشأه الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى لن يكون كافيا لحل مشاكل ديون أوروبا. وقال تارولو «بالإضافة إلى احتمال تكبد المؤسسات الأمريكية خسائر مباشرة فإن تزايد الضغوط المالية فى أوروبا قد ينتقل إلى الأسواق المالية عالميا».
وتطابق هذا التحذير مع الواقع العملى، حيث منيت الأسهم الأمريكية بخسائر حادة، أمس الأول، مع تنامى المخاوف من أن طريقة معالجة منطقة اليورو لمشاكل الدين السيادى قد تعرض للخطر الانتعاش الاقتصادى العالمى. حيث فقد مؤشر داو جونز الصناعى لأسهم الشركات الأمريكية الكبرى 3.60%، بينما هبط مؤشر ستاندرد آند بورز 3.90%، وأغلق مؤشر ناسداك المجمع لشركات التكنولوجيا، منخفضا بنسبة 4.11%.
وعلى الصعيد الأوروبى، اندلعت المظاهرات فى إسبانيا احتجاجا على إقرار الحكومة مساء أمس الأول رسميا إجراءات تقشف للسنتين 2010 و2011 تبلغ قيمتها الإجمالية 15 مليار يورو، وتعتمد على خفض أجور موظفى الدولة. واحتشد الآلاف من الموظفين والعاملين فى القطاع العام فى ميادين العاصمة الإسبانية وفى مدينة فالينسيا وحملوا لافتات، رافضة لخطة التقشف ومنددة بتخفيض رواتبهم.