ما إن تتجاوز حدود قرية البهنسا القديمة بمركز بنى مزار بمحافظة المنيا وتبدأ الرحلة فى اتجاه الظهير الصحراوى للمحافظة، حتى تظهر على البعد وسط الصحراء أشباح مبان لقرية تحوطها الأشجار والنباتات المزهرة. هنا قرية «البهنسا الجديدة» حيث المنازل الريفية حديثة الطراز تحوطها الأشجار من الجهات الأربع، قوامها 100 منزل، تم تسليم 56 منها عام 2009، والباقى فى انتظار دفعة أخرى من الخريجين، ووحدة صحية، تستقبل المرضى 3 أيام فى الأسبوع، ومخبز يبدأ عمله فى الرابعة فجرا لمدة ساعة واحدة، ومدرسة ابتدائية يدرس بها 17 طالبا، ولافتة لسوق تجارية بالقرية لا تجد مستأجرين، كل ذلك لخدمة 8 أسر هم كل من وافق على السكن فى الصحراء منذ 8 أعوام. شباب القرية هجروها.. منهم من باع منزله وأرضه ومنهم من سافر إلى الخليج بحثا عن أموال يستطيع بها استصلاح الأفدنة الـ 4 التى حصل عليها مع المنزل، ومنهم من ليس فى حاجة للأرض أو الشقة من الأساس لكنه أراد فقط الحصول على شىء من الدولة، حتى لو كان بيتا صغيرا فى الصحراء و4 أفدنة بور.
على مسافة 3 كيلومترات من القرية تمتد أرض من المفترض أنها منطقة الزراعة، يملك كل شاب منها 4 أفدنة بدلا من الـ 5 التى قررتها الدولة. عن ذلك يقول محمد نصار، 44 سنة، مهندس زراعى: «عام 2009 سلمونا هذا المنزل، و4 أفدنة رغم أنه كان من المفترض أن يتسلم كل منا 5 أفدنة، لكن المحافظ وقتها قال مافيش مساحات كفاية، رغم أن الأراضى صحراوية وبلا نهاية، ورغم ذلك فوجئنا بأن الأرض لا تتوفر لها مصادر رى، وغير ممهدة للاستصلاح، وخلال السنوات الثمانى لم نستطع استصلاح كل الأرض لعدم قدرتنا على حفر آبار.
وعن الخدمات فى القرية يقول محمد نصار «بنتى فى سنة رابعة ابتدائى ولا تستطيع كتابة اسمها بشكل صحيح، 17 طفلا فى المدرسة كلها يحتاجون أكثر من 20 مدرسا، ولكن بسبب عدم وجود مواصلات للقرية، فالمدرسين معظم الوقت ما بيجوش والسوق تجارى مغلق لا أحد يريد تأجيره بسبب عدم وجود سكان فى القرية. فبعد أن كنا 20 أسرة قبل 8 سنوات أصبحنا 8 أسر فقط. وجميعنا وقع إقرارًا بعدم أحقيتنا فى وظائف حكومية».
سامية محمد، 40 سنة، معلمة بمدرسة القرية، تقول: «الناس بتهرب من هنا، مافيش حياة، المياه بتيجى ساعتين كل 4 أيام وبتكون من غير كلور، ومافيش مواصلات غير التوك توك اللى بياخد 5 جنيه علشان يخرجنا من القرية للبهنسا القديمة فى الوادى. يعنى علشان أروح أشترى كيلو طماطم بـ 3 جنيه لازم أصرف 10 جنيه رايح جاى».
التوك توك الوحيد بالقرية يعمل عليه رجب محمد كامل، 32 سنة، حاصل على ليسانس حقوق، وأحد شباب الخريجين بالقرية. يقول: عندما حاولت استصلاح الأرض غير الممهدة الممتلئة بالحجارة، فشلت، ولا أستطيع تدبير نفقات لحفر بئر مياه، فاشتغلت على التوك توك».
نجيب بشرى صادق، 53 سنة، دبلوم تجارة، قال: «بعدما استلمت الـ 4 أفدنة ذهب المسؤولون إلى حال سبيلهم، أتى البدو الذين كانوا يضعون أيديهم على الأرض وطردونى منها، وفى كل مرة يتم تمكينى من الأرض يعود واضعو اليد ويسيطرون عليها، فاشتريت سيارة بالقسط واعمل عليها«.
ممثل الدولة هنا، يوسف سلامة، موظف بالوحدة المحلية بالبهنسا الجديدة، قال: «مشكلة القرية إن البيوت اتسلمت لناس كتير مش محتاجينها، والمحسوبية والواسطة دخلت فيها لدرجة إن فيه نجل عمدة إحدى القرى استلم شقة وأغلقها وأرضا تركها بورا، لمجرد انه ياخد حاجة من الحكومة، وحفرنا 5 آبار لزراعة 200 فدان من أصل 1500 هى إجمالى المساحة المخصصة للزراعة». وعن الـ 44 وحدة التى لم تسلم بعد قال سلامة: «منذ 5 سنوات، المحافظة جمعت 2000 جنيه من أكتر من 300 شاب وإلى الآن لم يتم توزيع الـ 44 وحدة أو رد مقدمات الدفع».