«زى النهارده».. وفاة الشاعر أمل دنقل في 21 مايو 1983

كتب: ماهر حسن الأربعاء 21-05-2014 08:10

فى قرية «القلعة»، مركز «قفط» التابعة لمدينة «قنا»، ولد شاعر الرفض أمل دنقل فى عام ١٩٤٠م وكان والده من علماء الأزهر، حصل على «إجازة العالمية» عام ١٩٤٠، فأطلق اسم «أمل» على مولوده الأول تيمناً بالنجاح الذى أدركه فى ذلك العام.

وكانت لديه مكتبة كانت المصدر الأول لثقافة أمل، ولم يكد أمل يبلغ العاشرة من عمره حتى توفى عنه أبوه ليصبح، وهو فى هذه السن، مسؤولاً عن أمه وشقيقيه. أنهى أمل دراسته الثانوية بقنا، ثم هبط إلى القاهرة ليلتحق بكلية الآداب لكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول وعاد أدراجه إلى قنا ليعمل موظفاً بالمحكمة ثم عمل بين جمارك السويس والإسكندرية ثم موظفاً بمنظمة التضامن الأفروآسيوى، لكنه كان دائم «الفرار» من قيود الوظيفة إلى الشعر وقد عرف القارئ العربى شعره من خلال ديوانه الأول «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة» (١٩٦٩) الذى جسد فيه إحساس الإنسان العربى بنكسة ١٩٦٧.

وبعد هذا الديوان تتابعت دواوينه «تعليق على ما حدث» و«مقتل القمر» و«العهد الآتى» و«أقوال جديدة عن حرب البسوس» و«أوراق الغرفة ٨»، التى تمثل ذروة نضجه الشعرى وفارقت ما تميز به شعره من حس سياسى رافض وكان مرض السرطان قد جعله ينظر للموت باعتباره اليقين الوحيد، يقول فى قصيدة "ضد من؟» فى هذا الديوان ديوان: «فى غُرَفِ العمليات كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ.. لونُ المعاطفِ أبيض.. تاجُ الحكيماتِ أبيض،أرديةُ الراهبات، الملاءاتُ، لونُ الأسرّةِ، أربطةُ الشاشِ والقُطْن، قرصُ المنوِّمِ، أُنبوبةُ المَصْلِ، كوبُ اللَّبن، كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبى الوَهَن. كلُّ هذا البياضِ يذكِّرنى بالكَفَنْ! فلماذا إذا متُّ..يأتى المعزونَ مُتَّشِحينَ.. بشاراتِ لونِ الحِدادْ؟ هل لأنَّ السوادْ.. هو لونُ النجاة من الموتِ، لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ.. ضِدُّ منْ..؟ بين لونين: أستقبِلُ الأَصدِقاء.. الذينَ يرون سريرى قبرا..وحياتىَ.. دهرًا... وأرى فى العيونِ العَميقةِ لونَ الحقيقةِ.. لونَ تُرابِ الوطن!».

وحينما عقد السادات معاهدة السلام مع إسرائيل ظل الشاعر الراحل أمل دنقل يبحث عن معادل تاريخى موضوعى يخاطب السادات من خلاله ويحذره من عواقب التفريط فى الدم العربى مهما كانت الإغراءات إلى أن وجد فى حرب البسوس بين أبناء العمومة ضالته وبالأخص فى وصية كليب لأخيه «المهلهل بن ربيعة بن مرة» فانطلق أمل منها ليكتب واحدًا من أروع وأخلد نصوصه، الذى كان فى زمنه أشبه بمنشور شعرى سياسي يتداوله الرافضون للصلح مع إسرائيل بقول أمل: «هل يصير دمى- بين عينيك- ماء؟.. أتنسى ردائى الملطَّخَ بالدماء.. تلبس فوق دمائى ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟.. إنها الحربُ! قد تثقل القلبَ.. لكن خلفك عار العرب... لا تصالح.. ولا تتوخَّ الهرب!.. لا تصالح على الدم.. حتى بدم...لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ.. أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟

وقد توفى أمل دنقل «زى النهارده» في ٢١ مايو ١٩٨٣.