الخروج من سجن الديون!

صلاح منتصر السبت 17-05-2014 21:35

من يقرأ تاريخ مصر يلفت نظره كم الأزمات والمواقف الصعبة التى واجهتها وكان متيقنا أنها ستقضى عليها، ثم فجأة كما يخرج نور الشمس من ظلمات السحاب تجد مصر من عناية الله مايرعاها وينقذها. ولعل ماحدث قبل 30 يونيو وما واجهته مصر من شعور بالاختناق خلال السنة التى حكم فيها الإخوان حتى بدا أننا أصبحنا فى سجن يستحيل الخروج منه ثم تتكسر قضبانه فى يوم وليلة دليل جديد على رعاية الله لمصر.

وأعود إلى عام 1990 والديون الأمريكية التى كانت تقيد حركة مصر، وكيف فشلت التوسلات المستميتة التى حاولتها مصر حتى منتصف عام 1990 مع أمريكا لتخفيف قبضة هذه الديون العسكرية التى كانت تمسك برقبة الاقتصاد المصرى، إلى أن جاءت « لحظة الإنقاذ» غير المتوقعة عندما استيقظ العالم يوم 2 أغسطس 1990 على قوات صدام حسين تكتسح الكويت وتعلن ضمها للعراق!

تنبه حسنى مبارك إلى خطورة المغامرة التى يقوم بها صدام، وأرسل إليه الرسائل ودعا الدول العربية لمؤتمر قمة عربية عاجل لإقناع صدام بالعدول عن مغامرته وتنبيهه إلى أنه لن يقوى على مواجهة نتائج مغامرته التى سيدفع مع الشعب العراقى ثمنها الضخم، لكن صدام ركب عناده وأصر على موقفه وفشل العرب فى كلمة واحدة ترد صدام فقد ظهرت للأسف بعض المطامع، فكان أن قرر مبارك المشاركة فى التحالف الكبير الذى كونته أمريكا لتحرير الكويت بقوات قوامها 35 ألف جندى.

يحكى عبد الرءوف الريدى الذى كان سفيرا لمصر فى واشنطن فى ذلك الوقت أنه بعد أيام قليلة من قرار مصر المشاركة فى «عاصفة الصحراء» كما أطلقت أمريكا على القوات المشتركة، بدا لأول مرة نور الأمل فى نفق الديون العسكرية لأمريكا عندما أحس من اتصالاته أن تقديرا كبيرا على مشاركة مصر يمكن أن يغير موقف واشنطن.

ويسرد الريدى فى كتابه الممتع «رحلة العمر» فى 20 صفحة تفاصيل الخطوات التى جرت على هذا الطريق وكيف أمكن استثمار الفرصة لإعفاء مصر من ديونها العسكرية وهو مالم يكن يتم إلا بقانون يحصل أولا على موافقة الإدارة الأمريكية التى تعد مشروع القانون ليذهب إلى مجلسى الكونجرس النواب والشيوخ. «وقد رجوت الرئيس مبارك ـ كما يقول الريدى ـ الاتصال بأعضاء الكونجرس خاصة القيادات فيه، وقد وافق الرئيس وأبلغنا الرياسة بأرقام تليفونات هؤلاء الأعضاء» مما كان له تأثير كبير.

ففى أول تصويت على مشروع القانون فى مجلس الشيوخ كانت نتيجة التصويت 55 صوتا لصالح إلغاء الديون مقابل 42 صوتا ضد الإلغاء، إلا أنه فى مجلس النواب كانت درجة التأييد أقل. وظهر من بين الآراء من اشترط تعليق الإعفاء على ماتقوم به مصر من إجراءات للإصلاح الاقتصادى، ورب ضارة نافعة كما يقول المثل، فقد نجحت المحاولات فى إلغاء هذا الاقتراح الذى تقدم به «النائب ديفيد أوبى» فى اللجنة الفرعية لاعتمادات القوات المسلحة فى الوقت الذى ظهر فيه اقتراح أكثر فائدة لمصر يقضى «بأن تقوم الدول الدائنة الأخرى لمصر بشطب نصف مالها من ديون على مصر وتكليف وزير الخارجية الأمريكى بعقد مؤتمر فى باريس قبل نهاية عام 90 تدعى إليه الدول الدائنة لمصر».

وكان هذا اقتراحا لم يسبق التفكير فيه وجاء هدية من السماء. وبناء على هذا الاقتراح تم إقرار المشروع فى مجلس النواب بأغلبية 188 عضوا ومعارضة 162 عضوا. وهكذا لم يقتصر الإلغاء على ديون مصر لأمريكا، ففى ديسمبر 90 عقد نادى باريس وفيه أعلنت السعودية والكويت شطب ديونها التى على مصر بالكامل وتبلغ 6 مليار دولار وليس شطب فقط نصفها، أما الدول الأوروبية فقد اشترطت لشطب نصف الديون التوصل أولا إلى اتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى حول برنامج للإصلاح الاقتصادى.

وهكذا ما إن بدأ منتصف عام 1991 حتى وكأن مصر ولدت من جديد بعد أن تحررت من الديون التى كانت تحاصرها. ولكن كما ترى فقد أدت السياسات الخاطئة إلى الوقوع مرة أخرى فى قبضة الديون التى جاءت ثورة 30 يونيو على غير موعد لتعيد المملكة السعودية والإمارات والكويت موقفها الداعم لمصر.

salahmont@ahram.org.eg