عاد الأسد العجوز، على الأقل على قمصان المنتخب الهولندي لكرة القدم، اللاعبون والمشجعون على حد سواء يشعرون بالسعادة بهذا القميص البرتقالي الساطع الذي يحمل شعار هذا الحيوان الشرس.
ويمثل الأسد رمزًا لأنجح الفترات في تاريخ المنتخب الهولندي، صاحب الرداء البرتقالي، وبالتحديد عندما توج الفريق بلقب كأس الأمم الأوروبية «يورو 1988»، وعندما وصل لنهائي كأس العالم في كل من بطولات 1974 و1978 و2010 .
ورغم هذا، لا تزال الشكوك قائمة في قدرة هذا الأسد على الزئير في ملاعب البرازيل، عندما يخوض المنتخب الهولندي فعاليات بطولة كأس العالم 2014.
وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة، لا يُنظر إلى المنتخب الهولندي كأحد المرشحين البارزين للمنافسة بقوة على اللقب في إحدى البطولات الكبيرة.
وبلغ المنتخب الهولندي «الطاحونة» المباراة النهائية للمونديال قبل أربع سنوات عندما استضافت جنوب أفريقيا البطولة في 2010.
ويتوقع مسؤولو الاتحاد الهولندي للعبة حاليًا أن يقود المدرب لويس فان جال، المدير الفني للمنتخب الهولندي، فريقه إلى المربع الذهبي على الأقل في المونديال البرازيلي.
ولكن قليلين فقط في هولندا يرون «فان جال» قادرًا على هذا، وحتى «فان جال» البالغ من العمر 62 عامًا، نفسه ما زال حذرًا ولكن لا يمكن تفسير هذا الحذر على أنه تواضع أو ضعف معقد.
وقال «فان جال»، المدير الفني السابق لكل من بايرن ميونيخ الألماني وبرشلونة الإسباني، «نرى أنفسنا كمرشحين للخروج من البطولة».
ولا يتردد «فان جال» في التصريح بهذا رغم المسيرة الرائعة التي قدمها الفريق في التصفيات الأوروبية المؤهلة للمونديال البرازيلي، حيث حقق الفوز في تسع من المباريات العشر التي خاضها في مجموعته وانتهت المباراة الباقية بالتعادل.
وقال «فان جال»: «أدرجنا بعض اللاعبين الشبان في الفريق، وقدمنا عروضًا رائعة وسجلنا العديد من الأهداف في التصفيات، ولكن ما زال الوصول للمربع الذهبي في المونديال البرازيلي أمرًا صعبًا».
والحقيقة أن المنتخب الهولندي الحالي لا يتمتع بنفس القوة التي ظهرت في أداء بعض منتخبات هولندا السابقة على مر التاريخ.
كما أوقعت القرعة المنتخب الهولندي في مجموعة صعبة بالدور الأول للمونديال البرازيل، حيث يخوض الفريق البطولة ضمن المجموعة الثانية التي تضم معه منتخبات إسبانيا حامل اللقب وتشيلي الرائع وأستراليا.
ويستهل المنتخب الهولندي مسيرته في البطولة بأصعب مواجهة ممكنة، حيث يصطدم بالمنتخب الإسباني في 13 يونيو ليبدأ من حيث أنهى مسيرته في المونديال الماضي، وذلك في مواجهة مكررة للمباراة النهائية لمونديال 2010 بجنوب أفريقيا.
وبينما حافظ المنتخب الإسباني على انطلاقته الناجحة في السنوات الماضية وأحرز لقبي كأس العالم 2010 ويورو 2012 بعدما توج سابقًا بلقب يورو 2008، كانت مسيرة الطاحونة الهولندية أقل في المستوى وخرج الفريق من دور المجموعات في يورو 2012 بعد ثلاث هزائم متتالية.
وإذا عبر المنتخب الهولندي «مجموعة الموت» في الدور الأول للمونديال البرازيلي، قد يصطدم الفريق في الدور الثاني «دور الستة عشر» بالمنتخب البرازيلي، صاحب الأرض والمرشح الأقوى للفوز باللقب، ليكون اختبارًا صعبًا جديدًا للطاحونة الهولندية.
وقال المهاجم الهولندي آريين روبن، نجم بايرن ميونيخ الألماني، بنبرة تعلوها الاستهانة، «يمكنني وصف هذا بأنه أكبر وأجمل تحد».
ويخوض «روبن»، البالغ من العمر 30 عامًا، فعاليات كأس العالم للمرة الثالثة ويأمل بالطبع في النجاح هذه المرة.
وقال «روبن»: «ستكون انتهازية كبيرة أن نقول الآن إننا سنتوج أبطالا للعالم، ولكن هذا ما نريده بالطبع وأبذل قصارى جهدي من أجل هذا».
وإذا أراد المنتخب الهولندي تحقيق هدفه ببلوغ المربع الذهبي للمونديال البرازيلي، يحتاج الفريق إلى ظهور أفضل لاعبيه بأفضل مستوياتهم.
ويبرز من هؤلاء اللاعبين روبن «بايرن ميونخ» وروبن فان بيرسي «مانشستر يونايتد الإنجليزي» وجريجوري فان دير فيل «باريس سان جيرمان الفرنسي» والمدافع رون فلار «أستون فيلا الإنجليزي»، حيث قدم جميعهم عروضًا رائعة في الآونة الأخيرة.
ورغم هذا، تلقى «فان جال» والمنتخب الهولندي صدمة هائلة عندما أصيب كيفن ستروتمان، لاعب وسط روما الإيطالي، في مارس الماضي ليتأكد غيابه عن صفوف الفريق في المونديال البرازيلي.
وقدم ويسلي شنايدر عروضًا رائعة أيضًا مع فريقه جالطة سراي التركي، ولكنه لم يعد حتى الآن لنفس المستوى الذي كان عليه في مونديال 2010 بجنوب أفريقيا.
ولا يستطيع أحد التقليل من شأن المدرب لويس فان جال الذي يعتبر المونديال البرازيلي ثأرا وتحديا شخصيا بالنسبة له حيث فشل في الوصول بالفريق إلى نهائيات كأس العالم 2002 بكوريا الجنوبية وذلك في فترة ولايته الأولى مع الفريق قبل 12 عاما ويسعى إلى محو هذه الذكريات من خلال مشاركة الفريق المرتقبة في المونديال البرازيلي.
وقال فان جال، الذي يترك تدريب الفريق بعد انتهاء المونديال البرازيلي، «أرغب دائمًا في تحقيق الفوز، وكذلك في المونديال البرازيل.. مقارنة بالدول الأخرى، ربما لا يكون لدينا أفضل اللاعبين ، ولكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع تحقيق الفوز».
ويشعر المشجعون بالسعادة لأن فان جال قاد الفريق لاستعادة أسلوب لعبه القديم كما يسعى إلى استحواذ اللاعبين على الكرة ليصبح أكثر ميلا للنزعة الهجومية من سلفه بيرت فان مارفيك.
إضافة لهذا، يضع «فان جال» الأداء الجماعي في المقدمة ويعطيه الأولوية على الأداء الفردي للاعبين، ولهذا يلعب النجوم الكبار المحترفون في الأندية الأوروبية بجوار اللاعبين الشبان الموهوبين الذين ينشطون في الدوري الهولندي دون أي شكوى أو امتعاض.
ويأمل مشجعو المنتخب الهولندي أن يمنح كبرياء فان جال والرغبة في الثأر من المنتخب الإسباني طاقة إضافية ودفعة كبيرة للفريق من أجل تقديم بداية ناجحة في المونديال البرازيلي.
وإذا حقق الفوز على إسبانيا في أولى مبارياته بالمونديال، ستكون دفعة هائلة للطاحونة الهولندية تنعش آمال المنتخب البرتقالي في إمكانية المنافسة بالبطولة وبلوغ المباراة النهائية المقررة في 13 يوليو المقبل على استاد «ماراكانا» في ريو دي جانيرو وربما الفوز باللقب بعد 40 عامًا من فشل أفضل منتخب هولندي في الفوز باللقب عندما خسر في النهائي أمام المنتخب الألماني بمونديال 1974 بألمانيا.
واشتهر المنتخب الهولندي في 1974 بلقب «ماكينة الكرة الشاملة» حيث قدم الفريق أفضل العروض بقيادة الأسطورة يوهان كرويف، ولكنه خسر النهائي أمام المنتخب الألماني صاحب الأرض.