سكان ميناء الدخيلة: تعددت الأسباب والتلوث واحد

كتب: محمد عبد العال الإثنين 05-05-2014 19:22

على كنبة صغيرة داخل إحدى حجرات شقته التى اكتست جدرانها ومحتوياتها بطبقة خفيفة من الأتربة السوداء، جلس محمود المصرى، يتفحص طفله «تامر» الذى تشنج وجهه بالبكاء، بسبب معاناته من نوبة ضيق تنفس مفاجئة.

الآلام التى يعانيها تامر، الذى لم يكمل عامه الثالث بعد، تتجدد وتزداد حدتها، كما يقول والده البالغ من العمر 38 عاماً، مع كل نسمة هواء تتسرب إلى شقتهم المطلة على عدد من ساحات ميناء الدخيلة غربى الإسكندرية، حيث تتم أعمال تشوين الفحم والحديد والكلينكر (مادة تدخل فى صناعة الأسمنت).

«الناس عايزة تطفش بس الشقق والبيوت مش جايبة ربع ثمنها بسبب غبار الكلينكر والفحم».. هكذا قال «المصرى» الذى يعمل ميكانيكى سيارات، وهو يطل برأسه من نافذة شقته باتجاه مبان وعقارات سكنية مجاورة، اكتست واجهاتها الخارجية بأتربة سوداء تتطاير من الميناء.

ويحمل سكان الدخيلة، التى قدر الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تعدادهم فى 2013 بما يزيد على 400 ألف نسمة، مسؤولى ميناء الدخيلة وجهاز شؤون البيئة المسؤولية عن استمرار الانبعاثات الملوثة للهواء، وانتشار الأمراض خاصة الصدرية بين أطفال وأهالى المنطقة.

يقول عاطف عبدالمجيد، الذى وقف على إحدى درجات سلم مدخل عقاره، وهو يحرك بحذائه طبقة سميكة من الأتربة غطت الأرضية: «التلوث فى كل مكان وأصبحنا نتنفس هواءً ملوثا، وأجسادنا ملّت من سياسة المسكنات التى لا تنتهى».

واتفقت معه نادية قويدر، رئيس لجنة شؤون البيئة بالمجلس الشعبى المحلى للمحافظة، الذى تم حله فى يونيو 2011، فهى ترى أن هؤلاء المسؤولين ضربوا بجميع التوصيات والمطالب الشعبية بشأن مشكلة تلوث الهواء فى المنطقة عرض الحائط لاكتفائهم بالحلول المؤقتة.

ورفض مسؤولو الميناء والبيئة الاتهامات، إذ تقول هدى مصطفى إبراهيم، رئيس الإدارة المركزية لجهاز شؤون البيئة بالمحافظة، إن أعمال المتابعة والتفتيش الدورى على الشركات التى تتداول خامات الفحم والكلينكر والحديد عن طريق أكوام من التشوينات والبالغ عددها 5 شركات منها 3 قريبة من المنطقة السكنية مستمرة، وفقاً لمواد قانون حماية البيئة رقم 4 لسنة 1994 ولائحته التنفيذية والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009.

وأوضحت أنه بالمتابعة تبين أن الشركات الخمس أوشكت على الانتهاء من مشروعات التوافق البيئى، حيث تم إنشاء جمالونات حول الخامات (فحم - كلينكر - حديد) للتشوين بداخلها، وكان من المتوقع الانتهاء بنهاية عام 2013، إلا أنها تأخرت عن الموعد المحدد بسبب الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد.

وكشفت عن انتهاء عدد 4 شركات من المشروعات التى تم الاتفاق عليها للتحكم فى الانبعاثات الناتجة عن أعمالها.

وقالت إن إدارة التفتيش والالتزام البيئى بالجهاز حررت محضرا قانونيا لإحدى الشركات، وتبين مخالفتها لانبعاثات بيئة العمل الداخلية، حيث لم تنته بعد من أعمال خطة توفيق أوضاعها البيئية الخاصة بها، حيث تعهدت الشركة باستكمال أعمال الخطة حتى نهاية منتصف العام الجارى.

وأشارت إلى أنه فى حالة عدم الانتهاء من تنفيذ المشروع والخطة المقدمة من تلك الشركة حتى نهاية منتصف عام 2014، سيتم مخاطبة هيئة الميناء لعدم تجديد ترخيص تلك الشركة، وإيقاف النشاط المخالف.

ويصف رضا الغندور، المتحدث الإعلامى باسم هيئة ميناء الإسكندرية والدخيلة، مشكلات المنطقة بالمؤقتة، ويقول إنها ستنتهى بانتهاء أعمال إنشاء محطة الصب غير النظيف للتشوينات والبضائع الملوثة للبيئة والمزمع إنشاؤها بامتداد رصيف 90 داخل ميناء الدخيلة.

ويضيف: «أنهينا إجراءات طرح مناقصة إنشاء المحطة طبقاً للمواصفات العالمية، وفور الانتهاء من بقية الخطوات سيتم إلغاء عمليات التشوين فى الساحات مصدر الشكوى والبالغ مساحتها 108 الآف متر مربع».

فى المقابل، حذر خبراء من استمرار تلك الانبعاثات الملوثة، وقالت الدكتور جيهان رأفت، أستاذ صحة البيئة وتلوث الهواء بالمعهد العالى للصحة العامة بجامعة الإسكندرية، إن وقوع منطقة الدخيلة تحت حزام الرياح يزيد من نسبة الكارثية.

وقال الدكتور علاء الصاوى، استشارى أمراض الصدر والحساسية، إن التعرض المستمر لتلك الملوثات يصيب بأمراض ضيق التنفس والربو المزمن والتحجر الرئوى، بخلاف الأورام السرطانية الناتجة عن مركبات الكربون المكونة للفحم.

التلوث الصادر من الميناء لم يداهم فقط منازل وأجساد سكان المنطقة، وإنما امتد إلى مياه الشاطئ الخاص بالمنطقة، الذى يشهد أيضاً منذ سنوات إلقاء مياه صرف صحى يعتبرها الأهالى سبباً رئيسياً فى تلويث مياه البحر، وقطع أرزاق العديد من صيادى المنطقة.

على مقربة من الشاطئ الذى بدا خالياً من الرواد انهمك نجيب سالم، الصياد الخمسينى، فى تجهيز مركبه الصغير تمهيداً للانطلاق فى رحلة صيد يومية، بحثاً عن أسماك، يقول «إن وجود الأسماك بالمنطقة صار نادراً إما لهروبها أو نفوقها بسبب تلوث المياه بمخلفات السفن ومياه المجارى».

ولا ينكر سامى قنديل، رئيس قطاع محطات معالجة غرب بشركة الصرف الصحى، التابعة له المنطقة قيام محطة الصرف الواقعة، بأرض الهيش فى الدخيلة بصرف، كمية تقدر بنحو 50 ألف متر مكعب يومياً من مياه المجارى فى البحر المتوسط.

ويقر «قنديل» بصحة النتائج المتضمنة فى تقارير وزارة البيئة، التى تثبت ارتفاع نسبة الملوثات البرازية والبكتيرية بمياه المنطقة، لكنه ينفى تسبب محطة معالجة أرض الهيش فى إنتاج تلك الملوثات.