إما دولة قانون أو دولة ميليشيات

طارق عباس الجمعة 02-05-2014 21:17

أستغرب أولئك الذين يملكون كل هذه الوجوه التى تتلون وتتغير وتتبدل وتبيض وتسود بحسب الطلب ويتحدثون بكل هذه اللغات المصطبغة بالقسوة والرحمة المحملة بالحسن والقبح المعجونة بالمتناقضات، بالأمس القريب كانوا يطالبون بالقصاص ثم سرعان ما انقلبوا على من أصدر الحكم بالقصاص، بالأمس القريب كانوا يطالبون بمحاكمات عادلة ناجزة ويدينون العدالة البطيئة واليوم يوجهون الاتهامات للقاضى سعيد يوسف محمد رئيس محكمة جنايات المنيا بزعم أنه يسيس الأحكام وينتقم من الإخوان ويعدمهم بالجملة دون أن يعطيهم الحق فى الدفاع عن أنفسهم، وذلك تعقيبا على الحكم الذى أصدره سيادته يوم الاثنين الماضى بإعدام 37 متهما والسجن المؤبد على 491 آخرين فى قضية قتل العميد مصطفى العطار نائب مأمور مركز شرطة مطاى واقتحام ونهب وحرق وسرقة القسم عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة فى 14 أغسطس 2013، ثم قيام نفس القاضى بإصدار قرار آخر بإحالة أوراق المرشد العام للجماعة «محمد بديع» مع 682 آخرين إلى المفتى لإبداء الرأى الشرعى فى إعدامهم لتورطهم فى قتل رقيب شرطة بالإضافة إلى 8 مواطنين آخرين وكذلك اقتحام وحرق وسرقة ونهب مركز شرطة العدوة بالمنيا وفى نفس اليوم أيضا، ما يستفزنى هنا هو حديث المدعين عن دولة القانون ثم إدانتهم لمن يطبق القانون، المطالبة بالتصدى للبلطجة والبلطجية ثم الصياح والعويل والصراخ عندما يلقى المجرمون عقابهم ولا أدرى بالضبط، ما هو سر هذا التعاطف الغريب مع القتلة والمجرمين؟.

ما حدث فى مصر عموما وفى المنيا خصوصا يوم 14 أغسطس بمثابة شذوذ أخلاقى وفساد قيمى وسوء تربية وكل مفردات الوقاحة والخسة والنذالة وقلة الحياء المستوجبة للتعامل معها بمنتهى السرعة والحسم والحزم حتى لا تتحول ممارسات القبح إلى عادة ويعتاد البلطجية سفك الدماء، فما الذى جناه العميد مصطفى العطار كى تكون نهايته بهذه البشاعة؟

وماذا كان مطلوبا من القاضى تجاه هؤلاء؟ فهل حلال أن يموت رجال الشرطة وحرام أن يقتص ممن قتلوهم؟ وأين كانت جماعات حقوق الإنسان والملازم أول كريم فؤاد بين جموع الوحوش وهم يتناوبون على ضربه وطعنه ولكمه ثم إلقاء مياه النار على ظهره وهو ملقى على وجهه بعد أن خارت قواه من شدة المقاومة؟ أين كان ضمير جماعات حقوق الإنسان ورقيب الشرطة يقتل وأسلحة مركز العدوة تسرق وتهرب؟

إن محاولات البعض إدانة أحكام الإعدام الأخيرة انطلاقا من أنها طالت أعدادا كبيرة، تعكس مدى حجم الاستخفاف بالناس وبمشاعرهم لأن القتل قتل سواء مارسه فرد ضد فرد أو فرد ضد جماعة أو جماعة ضد فرد.. يا سادة القاضى يحكم بما يمليه عليه دينه وضميره وشريعته ولو طرحت الأحكام لاستطلاع الآراء لكنا جميعا قضاة فمن المتهمون إذن؟ يا سادة إظهار التعاطف مع القتلة إسهام فى نشر الفوضى وتفكيك الدولة وتمكين المجرمين من امتلاك ذمام الأمور فى البلاد فمن أخطأ يحاسب ومن قتل يقتل إذا كنا نريدها دولة قانون لا دولة ميليشيات.