الطيور على أشكالها تقع.. ثم تحية لوزير الأوقاف

أحمد الجمال الثلاثاء 29-04-2014 20:10

أكتب فى أمرين، أولهما يتعلق بالرمز المصرى القديم «الصقر» «حورس» أو «حر»، وثانيهما تحية أوجهها لوزير الأوقاف فى مصر.

فعندما اتجه أهل المحروسة لاختيار إله للخير ولحراسة الوطن، كان اختيارهم للصقر وليس للنسر، وفى أسطورة أوزوريس وإيزيس جاء أن إله الشر «ست»، وكان ينتسب لشمال الدلتا تآمر على أوزوريس، واستطاع أن يقتله وأن يمزق جسده إلى قطع عمد إلى إلقائها مبعثرة فى أفرع النيل، التى تجاوزت الأربعين فرعاـ آنذاك- وحزنت إيزيس على زوجها، وسعت بقوة إلى جمع أشلائه من أفرع النيل، وعندما جمعتها وضعتها وتمددت إلى جوار أشلاء زوجها، فحملت حملاً معنويا فى حورس، الذى أخذ هيئة «الصقر» وأخذ بثأر أبيه وقتل إله الشر. وربما كان اختيار المصريين للصقر مرتبطا بأنه طائر يتميز بالقدرة الفذة على التحليق والانقضاض بزوايا معجزة، وأنه يعتمد فى غذائه على جهده هو وحده، ولا يأكل إلا ما اصطاده حيا، ولا يأكل الجيف! أما النسر فهو من الطيور الرمامة آكلة الجيف المنتنة، ولا يأنف من أن يأكل من فتات صيد غيره، وهذا ما نشاهده فى الأفلام التى تصور الحياة الطبيعية، إذ تصطاد الأسود وتأكل لتأتى بعدها الضباع والذئاب، وبعدها الثعالب، ثم تنزل النسور لتقتات مما تبقى من فتات، حتى يصل الأمر للخنافس ومن بعدها البكتيريا!

كان «الصقر» رمزًا للحق والقوة والخير والأمان، وكانت عينه هى العين الحارسة للوطن، أما «النسر» فهو دخيل على الرموز المصرية، وإن ارتبط اسمه بصلاح الدين الذى من المعروف عنه كراهيته لمصر والمصريين، ولذلك قصة لا بأس من روايتها، إذ تسلم صلاح الدين السلطة ممن سبقه وحكم الشام ومصر، وذات مرة كان يستعد للسفر من مصر إلى الشام، وعسكر فى معسكر خارج أسوار المدينة فى الريدانيةـ بالقرب من العباسية الحاليةـ وفيما هو جالس فى خيمته يستقبل المودعين من كبار رجال دولته وكبار العلماء والتجار، فإذا به يسمع من ينشد:

تمتع من شميم عرار نجد

فما بعد العشية من عرار

وهو بيت من قصيدة للصمة بن عبدالله القشيرى وفيها:

أقول لصاحبى والعيس تهوى..

بنا بين المنيفة فالضمار

تمتع من شميم عرار نجد

فما بعد العشية من عرار

أما العرار فهو نبات طيب الرائحة ينبت فى نجد، فلما سمع صلاح الدين ذلك الشعر تشاءم، وقرر ألا يعود لمصر وبقى خارجها حوالى عشرة أعوام، وترك عليها وزيره بهاء الدين قراقوش، الذى أذاق المصريين ويلات معروفة، وظل اسمه مضرب الأمثال فى الاستبداد الغاشم، وعنه كتب زميله الوزير الأسعد بن مماتى كتابه المعروف «الفاشوش فى حكم قراقوش»... وحقا إن الطيور على أشكالها تقع!

أما الأمر الثانى فهو ذلك الجهد الكبير الذى يبذله وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة لتنظيم عمل المساجد فى مصر، وبداية فإننى أشكره على استجابته لما كتبته فى «الأهرام» منذ فترة حول الاستهلاك الرهيب للكهرباء فى معظم مساجد مصر، خاصة فى شهر رمضان، حيث يحلو للبعض أن يمارس الصلاة والتهجد والاعتكاف على طريقة الحج الخمسة نجوم والسبعة نجوم، فتراهم يذهبون للاعتكاف ويفتحون المكيفات ليل نهار بدون توقف، وجاءت تعليمات الوزير بأن يتم تشغيل المكيفات قبل الصلاة بنصف ساعة وأثناءها ونصف ساعة أخرى وفقط، وأتمنى أن ينفذ القرار بدقة.

إن الجهد الذى يبذله الوزير فى ألا يعتلى المنابر إلا من لديه تكليف من الأوقاف، أو أن يكون هذا هو عمله، هو جهد محمود علينا جميعا أن نساعده فيه، لأن الأمور كانت قد انحدرت لمستوى لا يرضى عنه أحد لديه ذرة من عقل إيمانى.

إن المعركة بين وزارة الأوقاف ممثلة فى وزيرها العالم العامل الشجاع الدكتور محمد مختار جمعة، وبين ما يسمى السلفيين من أمثال برهامى وشركاه، ليست خاصة بالوزارة والوزير وحدهما، وإنما هى أمر يمس الأمة كلها، لأن المنابر سلاح من أخطر الأسلحة فى مجتمع متدين ومعظم متدينيه من البسطاء، الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، وإذا عرفوها فإنهم لم يفلتوا من قيود الأمية الدينية والثقافية.. بل إن المنابر طيلة القرون كانت بمثابة الإذاعة الرسمية، حيث كان الكافة يعلمون بتغير الحكم من حاكم إلى آخر، عندما يدعى للحاكم الجديد من على المنابر.. وكان الكافة يعرفون الفرمانات والقرارات وإعلان الطوارئ وإعلان الحروب والأوبئة من خلال النداء على المنابر.

تحية لوزير الأوقاف، ونداء لكل عاقل عارف بدينه أن يساعد الوطن فى هذا المنعطف.

a_algammal@yahoo.co.uk