من سنودن إلى الجزيرة

د. ياسر عبد العزيز السبت 26-04-2014 20:55

هل تذكر «إدوارد سنودن»؟

إنه ذلك الشاب الأمريكى الذى كان يعمل فى وكالة الأمن القومى بالولايات المتحدة، قبل أن يقوم بتسريب معلومات مصنفة سرية لصحيفتى «جارديان» و«واشنطن بوست»، وهى المعلومات التى فضحت قيام بلاده بالتجسس على الاتصالات الفردية لمواطنين، ضمن برنامج استخباراتى ضخم.

لقد اضطر «سنودن» إلى الهرب من بلاده، وبات ملاحَقاً بتهمتى التجسس وسرقة ممتلكات حكومية، كما ألغت واشنطن جواز سفره، وبعدما تخلت عنه «هونج كونج» أصبح مقيماً فى روسيا، محاولاً إيجاد فرصة للجوء إلى «بلد ديمقراطى».

يقول «سنودن» إنه غير نادم على ما فعله، معتبراً أن الثمن الذى دفعه يعكس إيمانه بقضية الحرية الفردية، ومعارضته أى شكل من أشكال تغول السلطة واعتدائها على خصوصية المواطنين، فى وقت يرى فيه نقاده ومعارضوه أنه ليس أكثر من «جاسوس».

قبل عشرة أيام، دعت الحكومة الروسية «سنودن» لحضور منتدى دورى يحضره الرئيس «بوتين» عادة، حيث يقيم حواراً مع كبار المدعوين من الشخصيات الدولية والمحلية البارزة، من دون بالطبع أن يتعرض للضغط، أو يتوقع أن يسمع سؤالاً محرجاً.

لكن «سنودن» فعل شيئاً غريباً، إذ وجه السؤال التالى إلى الرئيس الروسى: «هل تقومون بإدارة برنامج لمراقبة الاتصالات الفردية للمواطنين الروس؟ وإذا كان هناك من يفعل ذلك فى أجهزة الأمن الروسية، محتمياً بقانونية التسجيلات، فهل تجد له مبرراً أخلاقياً؟».

وسواء كانت إجابة «بوتين» عن سؤال «سنودن» بالإيجاب أو النفى، فإن السؤال سيظل أكثر أهمية بمراحل من الإجابة. هذا بالضبط ما أراد «سنودن» أن يفعله، أى أن يطرح السؤال المهم، على الرجل المعنىّ، وفى المكان والوقت المناسبين.

كتب «سنودن» مقالاً فى «واشنطن بوست»، مطلع الأسبوع الماضى، أوضح فيه أنه يعلم أنه مجرد «لاجئ» فى روسيا، وأن روسيا ليست بلده، وأنه ربما كان واثقاً من أن «بوتين» لن يجيب جواباً واضحاً عن سؤاله، لكنه أراد فقط طرح السؤال للبرهنة على قيمة معينة.

يقول «سنودن» إنه برر لنفسه تسريب المعلومات الخاصة بوكالة الأمن القومى لبلاده، وبات متهماً بالخيانة والتجسس وتبديد الممتلكات الحكومية، وأصبح مطارداً مشبوهاً وسمعته على المحك، من أجل ما يعتقد أنه مبدأ لا يمكن التراجع عنه، أى الدفاع عن الحريات الشخصية وحق الأفراد فى الخصوصية.

ولم يكن من اللائق بالنسبة إلى «سنودن» أن يعيش فى روسيا فى مأمن من ملاحقة السلطات الأمريكية، من دون أن يثير الأسئلة نفسها ويدافع عن القيم ذاتها وبشكل علنى، ومهما كان الثمن. ما علاقة ما فعله «سنودن» بـ«الجزيرة» المكتوب اسمها فى عنوان هذا المقال؟ هناك علاقة كبيرة. تفتح «الجزيرة» بطن مصر كل يوم، وتختلق الوقائع، وتشوه الحقائق، وتحرّض على العنف، وتزرع الكراهية، وتغرى بتقويض سلطات الدولة، بداعى «حرية الرأى والتعبير»، والممارسة المهنية الإعلامية.

لكنها من ناحية أخرى لا تحاول أن «تتوازن» أخلاقياً، أو «تستر» نفسها مهنياً، فتجرى تحقيقاً معمقاً عن «اتفاق الرياض» وتداعياته على الدوحة، أو تحاور القرضاوى عن سر «مدحه» فى الإمارات بعد شتائمه لحكامها، أو تحاول أن تلقى الضوء على معاناة العمال الآسيويين الذين يتعرضون للقهر والاستعباد خلال عملهم فى قطر، أو تفسر لنا أسرار «نقل السلطة» أو «الانقلاب الناعم» فى هذا البلد الصغير، الذى يشغل نفسه بالآخرين، ولا يجد الوقت للحديث عن ذاته.