بعد انتهاء الحرب السادسة بين المتمردين الحوثيين والقوات اليمنية فى شمال البلاد، بات تنظيم القاعدة يمثل الخطر الأكبر على أمن واستقرار النظام اليمنى فى ظل فجوات أمنية كبيرة يستغلها المسلحون، بينما يساهم التعاون الاستخباراتى والعسكرى بين صنعاء والولايات المتحدة لمواجهة تهديدات القاعدة باستهداف المصالح الغربية، فى زيادة استقطاب الشباب العاطل لصفوف المتطرفين، بالتزامن مع تواصل احتجاجات المعارضة الجنوبية المطالبة بالانفصال عن الشطر الشمالى وانتقاداته للحكومة بتهميشها اقتصاديا وسياسيا.
وتجددت الاشتباكات وتتواصل بصفة مستمرة بين القوات اليمنية ومسلحين تابعين لتنظيم القاعدة فى عدن جنوب البلاد، واعتقلت القوات عددا من المسلحين، الذين يستغلون حالة عدم الاستقرار التى تواصل الحكومة جهودها لإنهائها فى حرب باتت مفتوحة بين الجانبين فى جنوب وشرق البلاد، بعد إعلان تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب مسؤوليته عن المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة ركاب أمريكية فى ديسمبر الماضى.
ويقول محللون سياسيون يمنيون إن المسلحين يستغلون حالة التردى الأمنى وإنهاك القوات الحكومية فى حربها الطويلة ضد المتمردين الحوثيين، التى هدأت نسبيا خلال الأسابيع الأخيرة، وقالوا إن هجوم عدن الأسبوع الماضى، الذى قتل فيه 11 من قوات الشرطة وأصيب عدد آخر يعتبر رسالة بأن الجماعة لم تهزم.
وقال المحلل السياسى اليمنى ناصر الربيعى إن التنظيم استغل الوضع الدائر فى الجنوب واستطاع أن يجد الثغرة هذه وينفذ عملية خطيرة جدا ومؤشر على أنها قوية. ويخشى حلفاء اليمن الغربيون أن يستفيد تنظيم القاعدة من انعدام الأمن المتزايد ومن ضعف السيطرة المركزية ليستخدم اليمن قاعدة لشن هجمات تزعزع استقرار المنطقة وسط مخاوف من إمكانية تهديد التنظيم لحركة الملاحة فى خليج عدن والبحر الأحمر.
ويقول وزير الأوقاف والشؤون الدينية اليمنى حمود الهتار إن الحكومة يجب أن تعود إلى سياستها السابقة فى التواصل مع القاعدة من خلال الحوار بدلا من الاعتماد على القوة وحدها.
وبعد حادث طائرة ديترويت فى ديسمبر الماضى، أصرت الولايات المتحدة على التدخل المباشر فى اليمن وربما سبق ذلك دعما استخباراتيا وأمنيا لصنعاء فى مواجهة المسلحين، وزادت واشنطن مساعداتها لليمن إلا أن حملة صنعاء لم تؤت ثمارها على المتشددين، لكنها فى المقابل أدت الغارات الأمريكية الجوية إلى مقتل عشرات المدنيين مما أثار موجة للانتقادات من منظمات حقوق الإنسان عن استهداف المدنيين فى الغارات الأمريكية التى قتلت نحو 50 مدنيا بنهاية العام الماضى، بينما نفى اليمن وجود غارات أمريكية، مؤكدا أن قواته هى من نفذت الهجوم.
وتتعدد أوجه التدخل الأمريكى لتشمل تكثيف العمليات الاستخباراتية، وتوسيع العمليات العسكرية السرية، ودعم الحكومة اليمنية فى حربها على الإرهاب، ودعم القبائل ومنظمات المجتمع المدنى، فى معركة كسب العقول والقلوب.
ومؤخرا، أعلن مسؤولون أمريكيون تكثيف الجيش الأمريكى وأجهزة الاستخبارات، جمع المعلومات باستخدام طائرات استطلاع وأقمار صناعية واعتراض الإشارات لتتبع أهداف تنظيم «القاعدة» داخل وخارج قواعده فى اليمن، يعترف مسؤولون يمنيون بالحاجة إلى مساعدة واشنطن فى مكافحة الإرهاب، لكنهم يقولون إن الحكومة تفتقر إلى الموارد اللازمة لمعالجة الفقر، الذى يوسع دائرة التجنيد للقاعدة.
وعلى صعيد المأزق الداخلى اليمنى، ورغم انتهاء الحرب ضد المتمردين الحوثيين فإن الأوضاع الإنسانية لاتزال متدهورة ويصعب وصول مواد الإغاثة للنازحين، الأمر الذى يشكل مخاطر بإمكانية استغلال القاعدة تلك الظروف لتوسيع نشاطها فى شمال البلاد، كما يعانى اليمن أزمة اقتصادية حادة، حيث يعانى ثلث السكان من جوع مزمن، كما يصاب أكثر من واحد من كل 10 أطفال يمنيين بسوء تغذية حاد. وأكد اليمن أنه يحتاج مليارى دولار سنوياً، مساعدات، لتفادى الانهيار التام وضعف هذا المبلغ للإبقاء على دوران عجلة الاقتصاد.
ومع تدهور الوضع فى الشرق، لايزال جنوب اليمن، الذى يطالب بالانفصال، هو التحدى الحقيقى لحكومة الرئيس عبدالله صالح، الذى يحكم البلاد منذ 31 عاما، وينظم الحراك الجنوب بمظاهرات احتجاجية متواصلة تنديدا بهيمنة الشمال على ثروات البلاد، وغالبا ما تتخلل تلك المسيرات أعمال عنف ومواجهات بين القوات الحكومية ونشطاء الجنوب، ويعتبر الفرع الجنوبى لجهاز الأمن السياسى هدفا مهما وسهلا للقاعدة قال منتقدون إن أفراده يفتقرون إلى التدريب الجيد وإلى الكفاءة، وقال المحلل السياسى على سيف حسن فى عدن: «القاعدة محترفة فى استغلال التشققات الأمنية.
التشققات بين القبائل.. التشققات بين الأحزاب.. التشققات فى أجهزة السلطة.. دائما تستغل هذه التشققات لتعيش وسطها وهى تتواجد فى هذه الأوضاع وتستغلها جدا».