داخل أحد منازل السيل الريفى البسيطة، تتشح النساء بالسواد فيما ينتصر الحزن ويفرض تفاصيله على وجوه الجميع. حزن دفين يغطيه حزن أكبر يشمل منازل المنطقة التى فقدت أعز أبنائها خلال عنف متبادل بين قبيلتى «الدابودية» و«بنى هلال» فى أسوان. فى منزل أسرة صباح عوض عبدالقادر، 32 سنة، التى قتلت خلال الأحداث أختها الكبرى منى عوض مع الجيران يتذكرن كلام الفقيدة معهن وكيف كانت بشوشة الوجه وحسنة الخلق مع أهالى المنطقة. نفس الابتسامة مازالت مرسومة على وجه طفلتها جومانة، 6 سنوات، التى ظلت تداعب الجميل تصافحهم وتمنحهم القبلات. يعلق شحتة عوض، أخو الفقيدة: «حنينه زى أمها». يروى شحتة تفاصيل مقتل أخته: «سمعنا فجأة دوشه وصوت رصاص.. وخرجنا نجرى نشوف اللى حصل.. الأولاد خرجوا كمان.. صباح خافت عليهم وخرجت تجرى وراهم عشان تجيبهم وكانت بتقولهم مالناش دعوة وخلينا بعيد».
بعد هذه الحوار بلحظات سمع الجميع صوت طلقة وشاهدوا صباح تسقط على الأرض دون أى حركة. الطلقة استقرت فى رقبتها وسالت دماؤها، يزداد صوت إطلاق الرصاص ويصبح من الصعب الحصول على سيارة لنقلها لأقرب مستشفى فى محاولة يائسة لإنقاذها. «صباح» كانت قد تركت «السيل الريفى» منذ سنوات، وتركت وظيفتها كعاملة فى المدينة الجامعية وقررت الاستقرار مع زوجها فى إدفو، لكنها عادت منذ أسابيع إلى عملها السابق من أجل «لقمة العيش» ومساندة زوجها فى مشوار الحياة. منى عوض، الأخت الكبرى للقتيلة، تقول: «صباح عادت لعملها واستقرت معنا فى بيتنا بالسيل الريفى.. يوم الجمعة راحت الشغل ورجعت وحضرت الغداء لإخوتها.. وأخوها طالع على الشغل سمعنا صوت ضرب نار وكل الستات جريوا جوا بيوتهم لكن هى جريت بره البيت عشان تجيب إخوتها الصغيرين.. جاتلها طلقة فى رقبتها وخرجت من الخلف وماتت فى نفس اللحظة، وهى وطفلها الذى كانت تحمله فى بطنها». تقول أخت صباح: «كان ضرب النار شديد جدا لكننا حاولنا إنقاذها.. حملناها وكسرنا باب منزل كان مقفول بجوارنا.. بعد توقف إطلاق النار أحضر الشباب عربية لنقلها للمستشفى عشان مفيش عربيات إسعاف بتدخل المنطقة». وأضافت: «أثناء خروجنا من المنطقة فوجئنا بأعداد كبيرة من الهلالية شباب ورجال وحريم يحاصروننا ويكسرون زجاج السيارة الأمامى والجانبى حتى أصيب زوجى وخطفوا السائق.. ولولا أن واحد كان معانا بيعرف يسوق قفز مكان السائق وتحرك بالعربية إلى المستشفى كنا متنا زى صباح».