50 عاماً على إذاعة القرآن الكريم.. مدرسة نجوم التلاوة

كتب: ميلاد حنا زكي الخميس 10-04-2014 19:38

انجذب ملايين المستمعين فى الوطن العربى عندما سمعوا آيات سورة «البقرة» و«آل عمران» يتلوها الشيخ محمود خليل الحصرى، بصوته الملائكى صباح 25 مارس 1964 فى محطة جديدة بالراديو خاصة للقرآن هى إذاعة القرآن الكريم، أول إذاعة متخصصة فى الإعلام الدينى فى العالم العربى والإسلامى، حققت هدفها من أول بث لها وهو نشر التعاليم الإسلامية والأحكام الشرعية وبيان صحيح الدين والتعريف بالإسلام وإذاعة روآيات القرآن المختلفة تجويداً وترتيلاَ، وذلك عبر كوكبة من المرتلين المتميزين.

يرجع فكرة تأسيس الإذاعة بعد انتشار طبعة «مذهبة» من المصحف فى أوائل الستينيات، ذات ورق فاخر، وإخراج أنيق، تحتوى على تحريفات خبيثة ومقصودة لبعض آيات القرآن، وكانت هذه الطبعة، رغم فخامتها، رخيصة الثمن وكان تحريفها خفيًا، الأمر الذى أدى إلى استنفار علماء الأزهر والأوقاف وقرروا التصدى لها عن طريق إنجاز تسجيل صوتى للقرآن المرتل، قام به الشيخ محمود خليل الحصرى وتم طبعه على إسطوانات وتم توزيع نسخ منها على المسلمين فى أنحاء العالم الإسلامى وجميع المراكز الإسلامية بالعالم، وكانت هذه الأسطوانات أول تجميع صوتى للقرآن الكريم بعد أول جمع كتابى له فى عـهد أبى بكر الصديق، وبمرور الوقت تبين أن هذه الوسيلة لم تكن فعالة فى إنجاز الهدف المنشود وهو التصدى للتحريف، نظرا لعجز القدرات والإمكانات المادية فى الدول الإسلامية فى ذلك الوقت عن إيجاد الأجهزة اللازمة لتشغيل هذه الأسطوانات على نطاق شعبى، فضلا عن عدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لها، بحكم الوضع الذى كانت عليه دول العالم الإسلامى فى أوائل الستينيات من القرن العشرين.

واتجه علماء الأزهر إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومى التى كان يرأسها الإعلامى الدكتور عبد القادر حاتم، الذى قام بالاقتراح على الرئيس جمال عبد الناصر بإنشاء إذاعة صوتية تصل لكل فئات الشعب، ووافق «عبد الناصر» على الفور وأصدر قرارا بتخصيص موجة قصيرة وأخرى متوسطة لإذاعة المصحف المرتل الذى سجّله المجلس الأعلـى للشؤون الإسـلامية، حسبما ذكر الدكتور فوزى خليل نائب رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق فى دراسة له تحت عنوان «إذاعة القرآن الكريم من القاهرة من الماضى إلى الحاضر والمستقبل».

وبدأ إرسـال محطة إذاعة القرآن الكريم فى الساعة السادسة من صباح يوم الأربعاء الموافق 25 مارس لسنة 1964م، بمدة إرسال قدرها 14 ساعة يوميًا على موجتين: قصيرة، والأخرى متوسطة، وكان الراديو الترانزيستور وسيلة لالتقاط إرسالها بسهولة.

ونشرت جريدة الأهرام فى اليوم التالى تقول «إذاعة القرآن أقوى محطة إذاعة فى جمهورية مصر العربية، عملت بإذاعة المصحف المرتل بسورتا (البقرة) و(آل عمران)، وسمعت المحطة فى جميع الدول العربية وتبلغ قوتها 50 كيلوات فى الساعة، وقال المذيع: إذاعة الجمهورية العربية من القاهرة محطة القرآن الكريم».

وأحدثت محطة القرآن الكريم من القاهرة دوياً فى البلاد العربية والدول الإسلامية وانهالت برقيات التهنئة على الرئيس جمال عبد الناصر وطالبته بزيادة قوة إرسال المحطة لكى تصل لجميع الدول، وبالفعل، خصصت الإذاعة موجة قصيرة أخرى يستطيع سماعها الشعوب الإسلامية فى دائرة تشمل إندونيسيا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية والدول السكندنافية وجنوب أفريقيا.

وفى عام 1965 تم اعتماد مجموعة من القراء منهم الشيخ محمد صديق المنشاوى والشيخ مصطفى إسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد والطبلاوى وغيرهم ممن يجودون القرآن.

وفى عام 1966 شهدت المحطة أول نقله نوعية بها حيث تقرر نقل التلاوات القرآنية على الهواء مباشرة، من خلال الاحتفالات الدينية وإدخال برامج الدينية متخصصة فى التفسير، والأحاديث.

تولى رئاسة إذاعة القرآن الكريم على مدار نصف قرن تسعة رؤساء ترك كل منهم بصمة فى قصة نجاحها، كان أولهم الشاعر محمود حسن إسماعيل الذى عمل على إذاعة القرآن مرتلًا بصوت خمسة من كبار القراء على فترتين يوميا، وأضاف إلى المحطة برامج دينية، وأصبح للإذاعة جمهورها الكبير داخل مصر وخارجها، ثم زاد انتشارها بعد حرب أكتوبر 1973 وزاد إرسالها إلى 19 ساعة حتى وصلت تدريجيا لأن تعمل على مدار اليوم كله وبدأت فى تنويع علومها الدينية الفقهية عبر برامج مختلفة لأكبر العلماء والإذاعيين حتى دخلت إلى وجدان المصريين الذين اعتبروها قبلتهم لمعرفة مواقيت الصلاة ومعرفة أهلة الشهور العربية والمناسبات الدينية.

وتعد الدكتورة هاجر سعد الدين سابع رؤساء إذاعة القرآن الكريم وأول امرأة تتولى رئاسة المحطة فى نوفمبر 1997، والتى عملت على زيادة البرامج الدينية بالإذاعة، وحاليا الرئيس الحالى هو محمد عويضة.

واستطاعت الإذاعة عبر تاريخها أن تعمل على إسراء الثقافة الإسلامية السمحة والمعتدلة وأصبحت خلال 50 عاماً مدرسة تعطى أحسن الأمثلة للخطباء والوعاظ ومركزا ثقافيا يلاحق بالتحليل والرد كل ما يجرى ضد أعداء الإسلام.