نصب تذكارى لضحايا الحيوانات فى حروب بريطانيا

الأحد 02-05-2010 00:00

فى زيارة سريعة إلى لندن منذ أسابيع قليلة شاهدت نصباً تذكارياً فى منطقة مهمة من عاصمة بلاد الإنجليز، وقد أقيم هذا النصب منذ حوالى سنتين، وفكرة هذا العمل أن الحروب الكثيرة التى خاضتها بريطانيا العظمى فى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين وبريطانيا غير العظمى بعد ذلك قد أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الجنود والضباط والمدنيين وقد تم تكريم وتمجيد ذكرى هؤلاء عن طريق الكتب واللوحات التذكارية والنصب التذكارية والروايات والمسرحيات والأفلام،

ولكن بعضاً من الشعب البريطانى اكتشف أن هناك الآلاف من الحيوانات بجميع أنواعها قد قتلت فى هذه الحروب وأن بريطانيا لم تمجد هذه الحيوانات ولم تقم بأى شىء يخلد ذكراها، فعهدت الدولة إلى نحات بريطانى معاصر بإقامة تمثال مركب توجد به مجموعة مختلفة من الحيوانات الصغيرة والكبيرة وتم إقامة التمثال الذى يراه الجميع أثناء تحركهم فى المدينة الكبيرة. وبالطبع كان الشعب البريطانى سعيداً بإقامة هذه التحفة لأنه أعتبر أن إقامة هذا التمثال دليلاً واضحاً على تحضر الشعب البريطانى الذى مجد حيواناته مثلما مجد رجاله ونساءه وزعماءه.

وتحدثت مع صديق مصرى يعيش فى بريطانيا فقال إن هذا مثال لتحضر الغرب عموماً وهذه حقيقة ولكننى عندما فكرت فى الأمر رأيت أن الحضارة لها أكثر من وجه. الفكرة المجردة متميزة وتستحق الإعجاب لأنها تعبر عن موقف الإنسان من أى كائن حى والحيوان فى الغرب ينال تكريماً عظيماً ومعاملة متميزة ويذكر التاريخ الحديث العلاقة الخاصة التى قامت بين بعض زعماء الغرب وكلابهم أو قططهم وتمجد الأفلام حياة بعض الحيوانات الأليفة وحتى فكرة وضع الحيوانات فى أقفاص فى حدائق الحيوان تم التخلص منها وأصبحت حدائق حيوانات الغرب عبارة عن مناطق طبيعية مفتوحة ليشعر الحيوان أنه فى الطبيعة وليس فى الأسر.

أخذت أفكر فى هذا الأمر كثيراً، معجباً به من ناحية ولكن من ناحية أخرى جعلنى أفكر فى هذه الحروب البريطانية، هل هى حروب للدفاع عن الوطن بريطانيا؟! ربما باستثناء الحرب العالمية الثانية التى كانت بريطانيا تدافع فيها عن نفسها ضد العدوان النازى، كانت كل حروب بريطانيا حروباً عدوانية لقهر واستنزاف الشعوب، فعندما غزت بريطانيا الهند كان ذلك لضخ كل ثروة الهند لصالح الإمبراطورية. هل فكرت بريطانيا يوماً فى هذا الشعب الذى استعمرته زمناً طويلاً؟ هل فكرت بريطانيا يوماً بما فعلوه فى الشعب المصرى؟

هل كان القتلى من جيش عرابى الذى خاض معارك باسلة بأسلحة بدائية أمام جيش الإمبراطورية الجبار يستحقون ولو نظرة عطف بعد قرن وربع من الزمان؟ هل كان الفلاحون المصريون الذين قتلوا بعد دنشواى وعلقوا فى المشانق أمام أهلهم يستحقون نصباً تذكارياً فى مكان ما حتى خارج لندن. هل الرصاص الحى الذى أطلق على الطلبة المصريين فى مظاهرات 1919 و1935 وأودى بحياة خيرة شبابنا يستحق أن يكرمهم من سفك دمائهم بعد أن أعاد التفكير وقرر تكريم من قتل ظلماً من الحيوانات؟

حين كانت فلسطين جزءاً من الإمبراطورية البريطانية وحين سهل الإنجليز وصول المهاجرين الأوروبيين بمئات الآلاف وحين ساعد الفيلق اليهودى فى قوات الحلفاء العصابات اليهودية فى فلسطين بالتدريب والمال والسلاح وتغاضت عن ذلك كله الحكومة البريطانية. ألم تكن بريطانيا سبباً مهماً فى تشريد الفلسطينيين وإقامة دولة إسرائيل؟ ألم تشعر حكومة الإمبراطورية البريطانية والشعب البريطانى بأى تأنيب ضمير على ما فعلوه وعلى كل الكوارث التى حدثت فى فلسطين؟

ألم تفكر هذه الحكومة فى عمل تمثال للمواطن الفلسطينى الذى عاش مأساة كبرى فى القرن العشرين وما زالت مستمرة؟ ألم يشعر البريطانيون شعباً وحكومة بأنهم قاموا بتقسيم منطقتنا العربية على هواهم ومزاجهم فكان السكرتير الشرقى للسفارة البريطانية يضع خطاً بيده على الخريطة فيغير مصير شعب بالكامل. أليست خطوط التقسيم المصطنعة التى وضعوها وراء كم المشاكل التى أخذت شعوب المنطقة تعانى منها؟ أليست الحركات المتطرفة فى المنطقة والحكام الظلمة كلهم من صناعة السياسات البريطانية؟

أليست معاملة الآخرين، دولاً وبشراً، بمعيارين جريمة فى حق الإنسانية؟ أليست معاملة الإنجليزى الأبيض الأنجلوساكسونى بطريقة متحضرة ومعاملة الإنجليزى غير الأصلى بطريق أقل تحضراً ومعاملة المواطن العربى بطريقة استعلائية على أنه مواطن من درجة أقل، أليس ذلك كله دليلاً على العنصرية؟

كنت أود أن يشعر المواطن البريطانى وحكومته التى أقامت هذا التمثال تحية للحيوان الإنجليزى الذى فقد حياته فى الحروب الإنجليزية بنفس الشعور تجاه من قتلوا من البشر من دول أخرى بسبب حروب بريطانيا أو سياستها الاستعمارية. وإذا فكر الشعب الإنجليزى فى المستقبل فى إقامة تمثال للملايين الذين قتلتهم وأذلتهم وشردتهم جيوش بريطانيا فلن يكون ذلك سهلاً لأنهم سوف يحتاجون إلى كل ميادين إنجلترا حتى تستوعب حجم كوارثهم.