35 عاماً على السلام مع إسرائيل هل كان اتفاق السادات شراً وخراباً؟ (1)

صلاح منتصر السبت 22-03-2014 21:00

رغم بلوغ عمر اتفاقية السلام مع إسرائيل يوم الأربعاء المقبل 35 سنة، فمازالت التقديرات تختلف عليها بين الذين يمتدحونها ويعتبرونها أهم إنجاز حققه أنور السادات بعد قرار حرب أكتوبر 73، وبين الذين يلعنونها ويعتبرونها سبب المصائب التى شهدتها الأمة العربية، مما يحير الباحث عن الحقيقة. ومن الطبيعى مع مرور السنين أن يخف الجانب الشخصى فى الحكم على الأحداث الكبيرة المؤثرة، وأن تكون هناك فرصة أوسع بعد سيل الكتب التى كتبت، والأسرار التى أذيعت، والأوضاع التى تكشفت الأمر الذى يمكن معه التأكيد على هذه الحقائق:

١- ليس هناك هزيمة بلا ثمن، وحتى حرب السويس التى كانت عدواناً على مصر بمشاركة ثلاث دول ردا على تأميم جمال عبدالناصر قناة السويس، لم تعد فيها سيناء إلى مصر بعد انسحاب القوات المعتدية كما كانت. بل كان من شروط الانسحاب تواجد قوات طوارئ دولية على جانبى خط الهدنة فى الجانبين المصرى والإسرائيلى، وقد قبلت مصر وجود هذه القوات على أراضيها، بينما رفضتها إسرائيل، وهو وضع استمر حتى مايو 67 عندما طلبت مصر سحبها، وكانت أزمة الحرب.

أما بالنسبة لإدارة قناة السويس، فقد أعطت مصر للدول المستخدمة وورثتهم مقاضاة مصر أمام محكمة العدل الدولية إذا خالفت مصر التزاماتها الواردة فى اتفاقية القسطنطينية ١٨٨٨ حول إدارة القناة. غير هذا سمحت مصر لإسرائيل بمرور سفنها فى خليج العقبة، وهو الأمر الذى أخفته مصر منذ ١٩٥٧ على شعبها، أما الدول العربية التى كانت تعرف ذلك، فقد راحت تتهجم على عبدالناصر، مما جعله يعلن فى ٢٢ مايو ٦٧ غلق هذا الخليج فى وجه السفن الإسرائيلية، وبذلك قالت إسرائيل إنها اضطرت للدخول فى «حرب دفاعية» شنتها يوم ٥ يونيو ٦٧ على مصر وسوريا والضفة الغربية. وهو الأمر المردود عليه بأنه إذا كانت هذه الحرب ضد مصر دفاعا لإسرائيل عن نفسها، فما ذنب الفلسطينيين؟

ثانيا: لا يمكن تبرئة تاريخ ما بعد ٦٧ من تأثير هذه الحرب التى كانت زلزالاً قلب أوضاع المنطقة، خاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية. فنتائج هذه الحرب هى التى سمحت للدول المختلفة وللفلسطينيين أيضا باستخدام ورقة القضية والمقاومة الفلسطينية، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه عبر تاريخ طويل مرير من الكفاح الشريف المختلط بالمؤامرات والمزيدات والجرائم التى تمتلئ بها صفحات التاريخ ويعرفها كل متابع.

ثالثا: رغم الصمود ووقفة الشعب المصرى بعد ٦٧ استجابة لنداء «لا صوت يعلو على صوت المعركة»، فإن الأداء السياسى لمصر بعد هزيمة ٦٧ لم يكن فى مستوى صمود الشعب. يؤكد ذلك ما عرفناه عن الفرص الضائعة التى بددتها مصر، وأهمها فرصة مشروع القرار الذى عرف باسم «المشروع اللاتينى» نسبة لدول أمريكا اللاتينية التى قدمته.

يحكى الدكتور عصمت عبدالمجيد، وزير الخارجية الأسبق، والذى عاصر قضية ٦٧ وما بعدها فى الأمم المتحدة، يحكى فى كتابه «سنوات الانكسار والانتصار» إصدار دار الشروق صفحة ٩٤: بعد انعقاد القمة بين الرئيس الأمريكى ليندون جونسون، ورئيس الوزراء السوفيتى أليكسى كوسيجين فى جلاسبور فى نيو جيرسى، توصل الجانبان الأمريكى والسوفيتى إلى اتفاق على تأييد تقديم مشروع لمجلس الأمن تضمن: ١- إنهاء حالة الحرب بين الدول العربية وإسرائيل ٢- انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى العربية التى احتلتها فى النزاع الأخير. ٣- ضمان حرية الملاحة البحرية فى الممرات المائية. وبالفعل، قدمت مجموعة الدول اللاتينية فى شهر أغسطس ٦٧ مشروع قرار أصبح يُعرف بالمشروع اللاتينى، وإن كان قد حظى بتأييد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى حيث تم الاتفاق عليه فى لقاء القمة. وكان هذا المشروع فى واقع الأمر ممتازاً من وجهة النظر العربية. فلم يكن يعكس ثقل الهزيمة التى حاقت بالدول العربية، كما أن ما نص عليه من إنهاء حالة الحرب لم يكن سوى التزام سلبى على عاتق الأطراف العربية، وهو أمر يختلف اختلافاً كبيراً عن اشتراط قيام حالة سلام تقتضى من الدول العربية التزامات إيجابية. فإنهاء حالة الحرب لا يعنى تلقائيا قيام حالة من السلام، ولا يفترض مع إنهاء حالة الحرب فتح الحدود بين الدول الأطراف، ولا إقامة تمثيل دبلوماسى.. إلى آخر الأمور التى تميز حالة السلام بين الدول. وفى مقابل ذلك، فقد نص القرار على الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة بعبارة صريحة لا تحتمل التفسيرات والتأويلات التى حاولها البعض مع قرار مجلس الأمن ٢٤٢ الذى قبلناه، وأهم من هذا كله، فإن المشروع يتميز بإمكانية تنفيذه الفعلى، نظرا لتمتعه بتأييد القوتين العظميين. أما ما حدث للمشروع، فأنقله من كتاب الدكتور نبيل العربى (طابا كامب ديفيد. إصدار دار الشروق) صفحة ٤٩: كان إقرار هذا المشروع يمثل إنجازاً حقيقياً، ولكن للأسف عندما عرض القرار على الوزراء العرب برئاسة محمد أحمد محجوب، رئيس وزراء السودان، هاج إبراهيم ماخوس، وزير خارجية سوريا، ورفض إنهاء حالة الحرب وانساق وراءه عدد من الوزراء العرب، وللأسف لم يقف أمامهم رئيس الوفد المصرى الدكتور محمود فوزى بل لزم الصمت، ربما لمعرفته أن الرئيس عبدالناصر لم يكن على استعداد لقبول إنهاء حالة الحرب. ويقول د. عصمت عبدالمجيد فى الكتاب الذى أشرت إليه صفحة ٩٥: عندما حاولنا فى المداولات التى سبقت التوصل إلى القرار ٢٤٢ فى نوفمبر ٦٧ المطالبة بالشروط التى تضمنها القرار اللاتينى، وجدنا أن ما كان معروضا علينا بالأمس أصبح بعيد المنال، وأن ما رفضناه أصبحنا نطالب به ولا نجاب إليه. وكانت النتيجة قبولنا فى ٢٢ نوفمبر ٦٧ القرار ٢٤٢.. وإلى الأسبوع المقبل.

salahmont@ahram.org.eg