يا للهول.. انتخابات الرئاسة بطريقة يوسف وهبى

جمال الجمل السبت 22-03-2014 20:58

كثر الحديث هذه الأيام عن الانتخابات الرئاسية باعتبارها تمثيلية، فقد وصفها أحمد شفيق بأنها هزلية (لأن الدولة هتوضب الصناديق للسيسى وهتشتغل لحسابه)، ووصفها أبوالعز الحريرى بأنها «استفتاء» أو «انتخابات تفويض السيسى»، واعتبرها خالد على مسرحية، مؤكداً أن «العروسة حامل، وعايزين يكتبوا كتابها»، وأنه لن يلعب دور المحلل (مأزق فعلا، خالد على مش هيستر العروسة!!) ثم يقول فى مؤتمر صحفى علنى إن السيسى هو الحاكم الفعلى، وانتخابه رئيسًا مجرد إجراءات شكلية فقط. (فماتضحكوش علينا واقفلوا مسرح العرايس).

هذه آراء مرشحين سابقين للرئاسة، وهى ليست تخريفاً، لأن ملايين الناس فى الشارع يفكرون بنفس الطريقة التى سبقهم إليها يوسف وهبى وهو يصرخ «ما الدنيا إلا مسرح كبير»!

طيب. إذا كان الأمر كذلك، فأنا ليس عندى أى مانع لإنتاج وعرض تمثيلية الانتخابات، فأنا من محبى الفن، فقط أريد حبكة جيدة للسيناريو، وأداء وديكورا ومؤثرات تضمن نجاح التمثيلية أمام العالم.

قد يتصور البعض أننى أسخر من تصريحات الممثلين (أقصد المرشحين السابقين)، لكننى فى الواقع أحاول شرح وجهة نظرى التى تتلخص فى أن هيمنة النموذج السياسى الغربى على الشعوب الضعيفة (زى حالاتنا) أدى إلى نوع من النفاق السياسى والإذعان والانصياع لهذا النموذج، بصرف النظر عن إمكانية تحقيقه فى الواقع، ونظراً لهذا العجز أصبحت ديمقراطيتنا مجرد «ديكور» كارتونى، و«تمثيل» نيابى هزلى بعيد عن الواقعية والتعبير بصدق عن قضايانا ومشاعرنا وتطلعاتنا، خاصة أننا لا نمتلك سيناريو متقناً يحدد القضية الرئيسية أو يرسم أدوار الشخصيات، وحتى السيناريو الركيك المقتبس لا يلتزم به النجوم، وعادة ما يخرجون عن النص لزيادة مساحة أدوارهم فى ظل ضعف المخرجين وتواطؤ المنتجين وتدنى وعى وذائقة الجمهور الذى تعرض لحملة من غسيل المخ، فصارت أفلام المقاولات تحقق رواجا أكثر من غيرها، لأنها تناسب غرائز الجمهور المكبوت جنسيا، المقهور اجتماعياً، الباحث عن ضحكة تخفف عنه ضغوطات الحياة، والمتشبث ببطل شجيع ينتصر له على الشاشة عوضا عن هزائمه فى الواقع.

هكذا وصلت مصر إلى المأزق المزدوج الذى تعيشه: هل تتوقف عن أفلام المقاولات رغم أن «الجمهور عاوز كده»، وهل يستسلم السبكى وشلل المنتفعين لثورة الوعى التى تهدد مصالحهم، أم تنتج أفلاما للمهرجانات الدولية، ولا تهتم بجمهور الداخل وشباك التذاكر، أم تعقد هدنة مع السبكى وتتعامل مع الخارج شكليا بطريقة «التمثيل المشرف»؟!

المثال ليس واضحاً، لكننى أعتمد على ذكاء كل قارئ فى فهمه بالطريقة التى تلائمه، فمصر الآن «مزنوقة» بين ظرف داخلى سيئ جدا نتيجة سنوات طويلة من التخريب والتجريف والتغييب، وظرف خارجى يطلب منها مظاهر نظام سياسى بمواصفات «الأيزو»!

تخيلوا شعباً يشرب مياهاً ملوثة، ويسكن العشوائيات، ويأكل الجراثيم، ويحلى بالفيروسات، وينجز معاملاته بالرشاوى والعمولات، ويشترى احتياجاته من «لوطات» الفرز الثالث المستوردة من الصين... هذا الشعب مطلوب منه أن ينجز التحول الديمقراطى حسب أفضل المعايير العالمية على مزاج الواصى الغربى، ومطلوب منه أن يراعى شعارات حقوق الإنسان وحرية الاعتقاد والتعبير حسب المواثيق الدولية، ومطلوب منه أن يحترم الدستور والقانون والأقليات، وخلافه.

طيب والنبى إحنا هنقدر نعمل كل ده إزاى، وإحنا فى الحالة الزفت دى من الجهل السياسى والثقافى، ومن التبعية، ومن أمراض البدن والنفس، ومن/ ومن/ ومن...؟ مفيش قدامنا غير إننا نمثل قدام أسيادنا فى الغرب، ونستوفى المطلوب منا بـ«إجراءات شكلية» لحد ما نتعلم نصنع حياتنا بجد، وساعتها نبقى نتكلم جد.

tamahi@hotmail.com