إنها اشتراكية اللحم بالجولاش !!

مدحت بشاي الخميس 13-03-2014 20:11

فى وقفة شهيرة للزعيم «خروشوف» أمام جمع حاشد من عمال المجر قال متحمساً «إنكم تأكلون ــ أيها العمال ــ الآن الطبق المجرى الشهير (اللحم بالجولاش).. إن أحداً منكم لم يكن يذوقه قبل الاشتراكية.. إن الاشتراكية هى أن يأكل عمال المجر لحماً بالجولاش».. وفى حينها تناولت الصحف التصريح بالنقد، ووصفت الحدث والخطاب بالشكل الساذج لتفهم الشيوعية، وإنه من غير المقبول الهبوط بالهدف الشيوعى إلى مجرد إرضاء احتياجات المعدة بعيداً عن الأهداف المستقبلية والآفاق المرجوة فى مجالات التنمية بكل أشكالها.

إنها «اللحمة» إذن اللى دوخت البشر من زمن الرفيق خروشوف اللى عينه فى لحمة الغلابة فى شمال الدنيا، وكيف أعلن افتخاره بوجودها على موائد العمال وكأنه يعايرهم، ولكننا فى مصر لم يجسر مواطننا إنه يجيب سيرة اللى ماتتسمى اللحمة فى أى مظاهرة، وأخيراً لما قام وثار فى ثورة اتحاكى العالم عليها، لسانه ماهوبش ناحية اللى «ماتتسمى»، وبرغم إنه كسر حاجز الخوف وهتف بسقوط رئيس لزق بتباتة فى كرسيه 30 سنة، ولما سرقوا الثورة منه خفافيش الزمن الأسود، عملها وقام باستكمال ثورته يرجع اللى اتسرق، وقال بمصريته الرائعة زى ماقال فى 25 يناير «عيش».. أيوه فقط المصرى عايز يعيش بكرامة لأنه ببساطة مواطن له حق المواطنة الكاملة على أرضه، ومع ذلك يبقى هذا المواطن فى كثير من الأحوال ذلك الإنسان القانع الطيب فى انتظار حاكم لا يعايره، زى ما عايره مبارك بإلحاح على موضوع زيادة النسل وكأنه مصر يحمل شعبه كل أسباب الوصول إلى محطات الفشل!!

وبمناسبة العمال لما يغضبوا، والحكومة لما تفاوض وتتخذ القرارات الفوقية أحياناً أو الغبية البليدة فى تنفيذها فى أحيان أخرى، لقد عشنا فى مصر عمليات تأميم العديد من المؤسسات بعد ثورة يوليو 1952، ثم مع فتح الباب لسياسة وثقافة الفوضى التى أطلق عليها الكاتب أحمد بهاء الدين فى زمن السادات «انفتاح السداح مداح»، ووصولاً لزمن فارس الخصخصة العملاق عاطف عبيد، فباتت الأخطاء خطايا فى حق الوطن والمواطن لافتقاد الرؤية فى الخيارات لزمن التطبيق ونوعية المؤسسات المختارة وعلاقاتها المباشرة بمصالح الوطن العليا وأمنه القومى.

من المعروف أن «التأميم» إجراء اقتصادى/ سياسى يتم بموجبه تحويل ملكية المنشآت الاقتصادية من القطاع الخاص للقطاع العام، وعملية التأميم ليها أكتر من طريقة عند التطبيق، ساعات اللى بيأمم بيدفع تعويضات للمصريين أو الأجانب أصحاب المؤسسات المؤممة، ومنها بدون تعويض.. والتأميم تم فى نطاق نشر الأفكار الاشتراكية.

وكمان الخصخصة مفهوم اقتصادى يعنى بيع المنشآت التابعة للقطاع العام الحكومى إلى القطاع الخاص. يمكن ده المفهوم اللى ساد فى العقود الأخيرة، بعد فشل النموذج الاشتراكى وبروز النموذج الرأسمالى كنموذج وحيد للتنمية الاقتصادية.. لكن يبقى السؤال حول كيف كانت عمليات البيع وطريقة التقييم للكثير من المصانع والأصول، والحديث عن شبهات عديدة شابتها، لأن هدف الدولة كان الانتهاء من هذه المهمة بسرعة وإثبات حسن نواياها للمؤسسات الدولية المُراقبة.. لاشك، هناك احتياج لنظام سياسى يوفق بين مزايا اقتصاد الدولة والاقتصاد الحر‏.‏ لعل الحاجة إلى ذلك‏ تتحقق عبر وضع ضوابط للمؤسسات المالية، والإبقاء على ملكية الدولة لمؤسسات إستراتيجية فى توازن بين التأميم والخصخصة‏. يبدو إن احنا محتاجين بعث لإحياء تجربة المرأة الحديدية «تاتشر»، والإفادة منها على أرض المحروسة.

وبعيداً عن التلويح بوجبة «اللحم بالجولاش» كان نزول المهندس «محلب» للتفاهم مع القيادات العمالية فى المحلة وغيرها خطوة جيدة ومهمة، ولكن أعتقد أن الإجراءات الحازمة فى التعامل مع التظاهرات الفئوية، وربط أى زيادة فى الأجور بالإنتاج، أمر يتطلب حكومة قوية فى مواجهة من يستثمرون تلك الحالة بشكل سلبى.

medhatbe@gmail.com