خروج الببلاوى كان فى حقيقته إقالة بقرار شعبى.. ومجىء إبراهيم محلب رئيسا للحكومة كان اختيارا بقرار شعبى أيضا. وقد كتبت مقالا بعنوان (التغيير أو الكارثة) بتاريخ 24/11/2013 فى هذا المكان موضحا فيه أسباب إقالة الببلاوى واختيار إبراهيم محلب.. تاركا التعليق لكم: لم يعد الشعب المصرى يملك ترف الانتظار؛ فكما لم يصبر على مبارك، فهو أيضاً لم يصبر على مرسى، وكيف له أن يصبر على من هم دون ذلك؟!
المشكلات التى أودت بمبارك إلى الخلع كانت أقل من تلك المشكلات التى أودت بمرسى إلى العزل، وأصبحت الآن أكثر من مشكلات الاثنين معا. وإذا لم يدرك الببلاوى ذلك فلن يكون مصيره إلا العزل إما بثورة شعبية أو بقرار رئاسى. بعد أن وصل الببلاوى وفريقه الحكومى إلى النقطة التى تضعه فى موقف العداء والخصومة مع الثوار والثورة التى جاءت به ومن معه إلى كرسى الحكم. ذلك لأن أهداف الثورة تبدو اليوم أبعد عن متناول اليد أكثر مما كانت عليه، خاصة أن طموح الشعب إلى التغيير وتلبية المطالب أصبح اليوم، بحجم ثورتين، أكبر من طموح بحجم ثورة واحدة. فطبيعى أن تكون زيادة العائد مناسبة لزيادة الثمن.
ولكن ما حدث هو حصولنا من حكومة الببلاوى على مقابل ضئيل بثمن باهظ دفعناه. فأصبح حتمياً الآن إقالة الببلاوى، واستبداله بآخر أكثر فهماً لطبيعة المرحلة، وإدراكاً لكيفية التعامل مع المشكلات بحسم أكثر من الطرق المتبعة الآن بمحاولات الإسكات والترضية. ولا أرى- ولعل كثيرين يشاركوننى الرأى- أن أحداً ممن نراهم فى المشهد اليوم يبدو أكثر جدارة بهذا الموقع من إبراهيم محلب، آخر حبة فى عنقود البنائين العظام، أصحاب الهمم؛ فمصر تحتاج إلى «بنا» يجيد الانتقال من التخطيط على الورق إلى التنفيذ فى الواقع، عقلية تملك القدرة على المبادرة والمبادأة، وليس الاستسلام للشعور بالعجز وضعف الحيلة، قادر على الإفلات من شباك الدولة العميقة وما تتسلح به من روتين عفن. لقد تأكد لدينا خلال الأيام الماضية أن هذا الرجل يمثل استثناء فى حكومة الببلاوى.
فبدا أكثر قرباً من مطالب الثورة فتحرك معها فى الاتجاه الصحيح بأقدام ثابتة. مقتحماً معاقل الفساد بجرأة، منتزعاً حق الدولة والشعب من بين أنياب التماسيح المفترسة فى مجال الأراضى والمضاربة عليها، ذاهباً إلى أقاصى الجنوب فى القارة السمراء ليطرق أبواب الاستثمار بها؛ بفتح مجالات للشركات المصرية، ثم عاد ليعتلى قمة جبل المقطم ملبياً طلب سكانه لمياه الشرب بعد عقود من الحرمان منها، ثم سارع بإزالة آثار العدوان على منشآت تحطمت بأيدى المخربين من مهاويس المعزول فى جامعة الأزهر، وقبلها فى رابعة والنهضة.
لم ينتظر حتى تهدأ الأوضاع ليقوم بواجبه.. هكذا كان هو الرجل الذى لم يضع السلطة فى مواجهة الثورة.. بل الذى جعلها أداة فى يدها للتغيير والإصلاح؛ وهذا هو بالضبط ما كان ينقص الببلاوى وأعضاء فريقه من المرتعشين!.