فى شاهد جديد على زحف القبح، أهدرت ملايين الأطنان من الجرانيت تحت أساس العمارات السكنية فى أسوان، بعد إنشاء المحافظة مشروعا ضخما للإسكان على أجود أنواع الجرانيت.
والواقع المؤلم يقول إن المساحة المتعدى عليها من الجرانيت بلغت 160 ألف متر مربع، بما يعادل 40 فدانا، وقدرت الخسائر بنحو 88 مليار جنيه مهدرة تحت الأرض.
المأساة بدأت عندما شرعت المحافظة عام 2010 فى إنشاء وحدات سكنية للإسكان الاستثمارى المتميز بمنطقة العقاد بمدينة أسوان، والذى تتجاوز فيه تكلفة الوحدة 200 ألف جنيه، بعد أن وقع اختيار المحافظة على إقامة المشروع على أجود أنواع الصخور الجرانيتية التى يتم تصديرها إلى الخارج.
ودفن المشروع أسفله المليارات من الجنيهات وملايين الأطنان من خام الجرانيت الذى قـُدرت قيمة ما يتم إهداره أسفل العمارة السكنية الواحدة بنحو 165 مليون جنيه، حيث تغطى العمارة تحتها 15 ألف متر من الجرانيت.
المهندس محمد عبدربه، رئيس لجنة التعدين بجمعية المستثمرين فى أسوان، قال: «للأسف لا توجد منظومة محددة لاستغلال الثروة المحجرية والتعدينية فى مصر، التى لو تحققت لكان من الممكن أن تضعها على أقرب درجة من درجات النجاح، والدليل على ذلك ما قامت به المحافظة من إهدار الملايين من أطنان الجرانيت بشكل منظم فى بناء مساكن على المنطقة الغنية بجرانيت أسوان الأحمر والأسود».
وأضاف: «بلغت إجمالى مساحة المحاجر المتعدى عليها نحو 40 فدانا بإجمالى 160 ألف متر مربع، وفى الوقت الذى تسعى فيه كل الدول لاستغلال هذه الخامة المهمة لتستخرج منه قيمة مضافة للاقتصاد القومى، لأننا نقوم بإهدار ملايين الأطنان تحت مساكن خرسانية، وهذا يعكس عدم وجود أى تنسيق بين إدرة المحاجر والمحافظة والإسكان، بعد أن تم التصريح ببناء عمارات سكنية على ثروة ملك للأجيال القادمة، كما جاء بالدستور».
وتابع: «كان يجب الحفاظ على هذه الثروات للأجيال مستقبلاً، لكن للأسف موظف المحاجر يرى المحاجر تهدر أمام عينيه، ويُتعدى، ويبنى عليها، ويكتفى بتحرير محاضر، والأمر كذلك بالنسبة لمرخص المحجر الذى لا يمتلك منع هذه التعديات».
وقال عبدربه: «بلغة الأرقام، فإن مساحة العمارة السكنية بالمشروع 300 متر مسطح، يتم تغطية نفس هذه المساحة من الجرانيت أسفل العمارات السكنية، بمتوسط عمق 50 مترا، وهو الحد الأدنى لأبسط صور استخراج خام الجرانيت من باطن الأرض والذى يمتد استخراجه فى بعض الدول لأكثر من 150 متراً».
وأوضح: «هذا يعنى أن العمارة السكنية الواحدة تهدر أسفلها 15 ألف متر مكعب من الجرانيت، فى حين يصل سعر متر الجرانيت المسطح إلى 220 جنيها، ما يعنى أن هناك إهدار 11 ألف جنيه فى المتر المكعب الواحد، حيث يعادل ما يتم إهداره 165 مليون جنيه أسفل كل عمارة سكنية واحدة أى ما يعادل 88 مليار جنيه من إجمالى المساحة المتعدى عليها».
وقال: «صندوق المحافظة يحصل 65 ألف جنيه سنويا قيمة ترخيص المحجر، على الرغم من أن القانون ينص على أن قيمة الإتاوة السنوية للمحاجر لا تتعدى 300 جنيه سنوياً».
وتابع عبدربه: «المحافظ الحالى أعرب عن استيائه من البناء على محاجر الجرانيت، وكذلك الموظفون، لكن إلى الآن الوضع قائم على ما هو عليه، وأسوان لديها أكبر احتياطى من الجرانيت يصل إلى 700 مليون طن، وتضم عددا كبيرا من المحاجر بمنطقة العلاقى التى تحتاج لفتح الطريق وتمهيد الطرق القديمة وشبكة للاتصال».
وطالب إدراة المحاجر بعمل مركز للتسويق الداخلى والخارجى لوجود خامات ممتازة من الجرانيت بكميات هائلة وألوان جديدة، مع وضع سياسة قصيرة وطويلة المدى لاستغلال خام الجرانيت.
وأكد أن مشروع المحاجر يتعامل مع مرخصى الجرانيت بأسلوب «الكفيل»، حيث لا يمتلك مرخص المحجر أى أوراق تثبت تبعية المحجر إليه، ويتم تسجيل جميع الإجراءات باسم مشروع المحاجر.
وقال: «نطالب بوضع قانون لمرخصى المحاجر ووقف التعديات فورا ومناقشة الاستفادة من الخامة عن طريق آليات يضعها عدد من المرخصين الأكفاء بأنفسهم».
المهندس عادل سيد إبراهيم، صاحب محجر جرانيت، قال إن تعديات المشروع طالت محجره فى عهد المحافظ الأسبق مصطفى السيد، عندما تم البدء فى إنشاء 8 عمارات سكنية على أرض المحجر، ضمن مشروع الإسكان، وصدر قرار رقم 222 من المحافظ، باستبعاد إنشاء هذه العمارات لإقامتها على أرض المحجر، وبناء عليه تم وقف البناء، وعاد العمل بالمحجر، لكنه بعد رحيل المحافط عادت الشركة المنفذة بحفر أثاثات العمارات الثمانى من جديد، وتم عمل محضر، وتقدمنا بشكوى إلى جميع المسؤولين بأن مشروع الإسكان المتميز يدمر المحجر.
وأضاف: «البناء جارٍ على الجرانيت الأسوانى الذى له مواصفات عالمية، من حيث خلوه من الإشعاع ولونه الشهير منذ الفراعنة واللمعان، وبخاصة الجرانيت الأحمر الذى لا منافس له سوى فى الهند، وهذه المنطقة ليست الوحيدة التى أقيمت عليها مشروعات للإسكان على محاجر الجرانيت، حيث سبق فى التسعينيات إقامة منطقة المحمودية السكنية التى بنيت أيضا على ملايين الأمتار من الجرانيت من أجود أنواع الجرانيت فى العالم».
وطالب بإعادة النظر فى تحصيل مشروع المحاجر لقيمة كارتة 500 جنيه عن كل سيارة تنقل الخام من أسوان بمعدل 4 آلاف جنيه كارتة شهريا، لأن أقل محجر يقوم بعمل 8 نقلات، هذا إلى جانب الترخيص السنوى البالغ 65 ألف جنيه، على حد قوله.