ظهور جماعة الحوثيين لاعبا رئيسيا فى المشهد اليمنى فى الآونة الأخيرة- لم يرتبط فى جوهره بطموحات سياسية وحلم مؤقت نحو السلطة، وإنما كان جزءا من مخطط كبير منظم لبناء الدولة الدينية على الطراز الشيعى لتخترق المنطقة، مما يهدد بوحدة اليمن، ويجعله عرضة لمخاطر التقسيم، فى ظل حالة الاضطراب السياسى.
وبدأ الحوثيون نشاطهم كحركة سياسية دينية مسلحة تتخذ من محافظة صعدة شمال اليمن مركزا رئيسيا لانطلاق عملياتهم الجهادية على يد مؤسسها حسين الحوثى، الأب الروحى للجماعة التى تأسست عام 1992، واستهلت مشوارها بافتتاح مراكز صيفية استقطبت ما يقارب 15 ألف طالب اشتهروا باسم «الشباب المؤمن»، وتتابعت الأنشطة وتدريبات الشباب فى المعسكرات على القتال لتخوض الحركة 6 حروب دموية مع حكومة الرئيس السابق على عبدالله صالح، وحربا مع السعودية فيما عرف بـ«نزاع صعدة».
واتسع نطاق الصراع بين الحوثيين والسلطة فى اليمن وسط اتهامات من نظام «صالح» وقتذاك بأن الجماعة تخطط للاستيلاء على الحكم، وتسير وفقا لأجندة إيرانية لنشر المذهب الزيدى فى اليمن وامتداده للمنطقة بأسرها، واتهم الحوثيون الحكومة اليمنية بالتمييز ضد الزيدية، بينما اتهمتهم الحكومة بالتخطيط لإسقاطها واستعادة الإمامة الزيدية التى سقطت فى 1962، وبإنشاء تحرك شبيه بحزب الله وإثارة المشاعر المعادية للولايات المتحدة فى المساجد. وسرعان ما دخلت السعودية على خط الأزمة، وأطلقت سهامها نحو الحوثيين عبر حملات الصحف والإعلام السعودى ضد الجماعة واتهمتها، استنادا إلى وثائق ويكيليكس، بالحصول على أسلحتهم من السوق السوداء باليمن واستغلال عناصر فاسدة فى الجيش، فى الوقت الذى أكدت فيه صنعاء حيازة المقاتلين الحوثيين على صواريخ الكاتيوشا التى يستخدمها حزب الله.
وشهد مطلع التسعينيات من القرن الماضى ميلاد العلاقة بين إيران والحوثيين، ولم تقتصر على دراسة الطلبة الحوثيين فى إيران، بل شملت التمويل والتدريب العسكرى، وتزويد الحرس الثورى الإيرانى الجماعات الحوثية بالأسلحة المتطورة، مرورا بانضمام حزب الله ضلعا ثالثا ليخصص معسكرات تدريب للحوثيين، فى إطار المخطط الكبير لإقامة دولة شيعية، تمتد من صعدة لتصل إلى موانى البحر الأحمر.
وتصيد تحالف الحوثيين وإيران، بعد حرب عام 1994، الصراع بين أنصار «صالح» ونائبه على سالم البيض، الذى دعا لانفصال الجنوب مجددا، ليقفز من الحديقة الخلفية، وبمرور الوقت كسب الحوثيون أرضا داخل اليمن، وحاولوا إخفاء الطابع المذهبى الطائفى لحركتهم، واستفادوا من الفقر والجهل والبؤس، الذى يعيشه سكان المناطق حول صعدة لإيجاد حركة تمرد مسلحة، قادرة على خوض حرب عصابات ضد الحكومة اليمنية، ونجحت الجماعة يوما بعد يوم فى امتصاص مشاعر القبليين، وتم شحنهم بالتعاطف الدينى، ليتحولوا إلى «وقود الحوثيين» فى معركتها ضد الحكومة.
وكشف الصراع الحالى بين الحوثيين والسلفيين فى منطقة دمّاج عن التطلعات التوسعية لتلك الجماعات التى استغلت الثورة اليمنية فى إحكام سيطرتها المسلحة على صعدة، وأقر مستشار الرئيس اليمنى لشؤون الدفاع والأمن اللواء على محسن، بأن الجماعة الشيعية أرسلت مئات المقاتلين إلى إيران للتدريب، مؤكدا أن عناصرها يمتلكون أسلحة متطورة، بينها صواريخ أرض جو، وألغام مضادة للطائرات.
وخاض الحوثيون معارك مؤخرا ضد السلفيين فى صعدة وعمران أسفرت عن سقوط مئات القتلى ووجه اليمنيون انتقادات واسعة للجيش بعدم التدخل لمواجهة الانتهاكات الحوثية فى المناطق التى يسيطرون عليها. وترى صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أن شعبية الحوثيين تزايدت فى السنوات الأخيرة، فى الوقت الذى تعتبرهم فيه واشنطن والغرب خطرا، ويستخدمون فى نزاع طائفى بالوكالة بين السعودية وإيران.