سمير فريد يكتب من «برلين السينمائي»: «أريج رائحة الثورة»: لا طعم ولا لون ولا رائحة!

سمير فريد السبت 15-02-2014 17:45

شهد مهرجان برلين، أمس الأول، العرض العالمى الأول للفيلم المصرى التسجيلى الطويل «أريج رائحة الثورة»، إخراج فيولا شفيق، والذى عرض فى البرنامج الموازى «الملتقى».

الفيلم إنتاج مصرى- ألمانى مشترك فى 98 دقيقة، وهو أحدث فيلم عن ثورة 25 يناير، وسادس فيلم تسجيلى لمخرجته التى ولدت فى ألمانيا عام 1961 ودرست الفنون والسينما وأخرجت أول أفلامها عام 1993، كما أنها باحثة وأستاذة فى السينما.

تتميز فيولا شفيق بالعمق فى أبحاثها والشاعرية فى أفلامها، ولكنها فى هذا الفيلم الجديد تفتقد ذلك العمق وتلك الشاعرية معاً. وهناك الآن صفحة كاملة فى تاريخ السينما فى مصر والعالم عن ثورة 25 يناير الشعبية الكبرى، التى أسقطت حكم مبارك، ثم حكم الإخوان الذين حاولوا سرقة الثورة، وتحويلها من ثورة من أجل الحرية والديمقراطية إلى ثورة من أجل الحكم الدينى الذى يعيد مصر إلى ما قبل محمد على، مؤسس الدولة المصرية الحديثة منذ مائتى سنة، ويأتى فيلم «أريج رائحة الثورة» فى ذيل هذه الصفحة.

بعد 98 دقيقة، أى بعد مشاهدة الفيلم بالكامل، تجد أنك لم تشتم أى رائحة للثورة ولا غير الثورة، بل لا تعرف ما موضوع الفيلم، وما الذى يريد أن يعبر عنه. إننا أمام عدة موضوعات على شريط واحد لا يربط بينها لا زمان ولا مكان ولا أى شىء، وكلما تم الانتقال بين هذه الموضوعات المختلفة يزداد الإحساس بعدم وجود أى درجة من الترابط، فضلاً عن رداءة المونتاج من الناحية الفنية البحتة.

داخل الفيلم مشروع فيلم عن تاريخ الفوتوغرافيا فى مصر، وفضيحة عدم وجود متحف للفوتوغرافيا فيها، من خلال الحوار مع فرانسيس محارب، صاحب إحدى المجموعات الفريدة من الصور فى الأقصر. ومشروع فيلم عن حرب جماعات الإسلام السياسى ضد المسيحيين فى مصر وقتل الأقباط وحرق الكنائس، من خلال الحوار مع الناشط السياسى صفوت سمعان. ومشروع فيلم عن أحلام الشباب الذين قاموا بالثورة، من خلال الحوار مع مصممة الجرافيك عواطف محمود. ومشروع فيلم عن الكاتب الكبير علاء الديب من خلال الحوار معه، وعن تجربته الثرية فى الحياة والصحافة والأدب والعمل السياسى بعد ثورة 1952.

وأكثر مشروعات الأفلام تكاملاً داخل الفيلم مشروع فيلم علاء الديب، حيث يعبر فى حواره عن موقفه السياسى، ويقول إنه ولد عام 1939 وتخرج فى كلية الحقوق جامعة القاهرة، وإنه ينتمى إلى الجيل الذى وقف إلى جانب ثورة يوليو 1952 وأجهضت كل أحلامه عندما اعتقل عبدالناصر اليسار الاشتراكى واليمين الدينى معاً، وحطمت هزيمة 1967 كل الأحلام، ثم جاء السادات ومبارك فانتقلت مصر من سيئ إلى أسوأ، وأنه إذا كانت ثورة 1952 قد أجهضت، فإن ثورة 25 يناير «غير قابلة للإجهاض». وتبدو المخرجة أقرب إلى تبنى وجهة نظر علاء الديب، ولكن ليس بالوضوح الكافى.

وبقدر ما جاء مشروع فيلم أحلام شباب الثورة سطحياً إلى درجة الركاكة، بقدر ما جاء مشروع فيلم جماعات الإسلام السياسى ضد المسيحيين مضطرباً إلى درجة الغموض، فأنت لا تدرى من يقوم بهذه الحرب، وما العلاقة بينها وبين مشروع تطوير مدينة الأقصر عندما تحولت إلى محافظة، ولماذا يعارض الفيلم هذا التطوير ويهاجم المحافظ الأسبق سمير فرج، الذى بدأ ذلك المشروع تحت إشراف هيئة اليونسكو، ولماذا يتعاطف مع أصحاب المبانى العشوائية التى بنيت بين الآثار، رغم أنهم حصلوا على التعويضات المالية المناسبة.

والأهم من كل ذلك ما العلاقة بين هذه الموضوعات وبين الثورة ضد حكم ثورة الجيش الذى استمر ستة عقود حتى أسقطته ثورة يناير، وضد حكم الإخوان الذى استمر سنة واحدة حتى أسقطته ثورة يونيو 2013. الفيلم يبدأ بمشاهد تسجيلية أرشيفية لأحداث كوبرى قصر النيل يوم 28 يناير 2011 أثناء الثورة، وطوال الفيلم نرى مشاهد مماثلة لأحداث أخرى، مثل أحداث شارع محمد محمود والاتحادية وضرب فتاة حمالة الصدر الزرقاء، حتى أحداث رابعة والنهضة يوم 14 أغسطس 2013. ولكن كل هذه المشاهد تعرض من دون سياق، ومن دون تحليل لماذا وكيف، وتحديد وجهة نظر فى هذه الأحداث.

قال بريخت يوماً لا تتحدثوا فى السياسة بشكل غير سياسى، وكون الفيلم يبدأ وينتهى بقول مخرجته، وهى الراوية على شريط الصوت، إنها حائرة، لا يبرر مخالفة نصيحة بريخت. الأفلام السياسية، وعنوان الفيلم يعنى أننا سوف نشاهد فيلماً عن الثورة، ليس للتعبير عن الحيرة، وإنما للتعبير عن وجهة نظر، ومساعدة الحيارى ليكون لهم موقف واضح.

samirmfarid@hotmail.com