كراسة التحرير.. حكايات مكاوى سعيد عن أبطال ميدان غير وجه الوطن

كتب: أيمن عبد الهادي السبت 18-01-2014 17:04

كراس بحجم الكف كان يصاحب مكاوى سعيد مستقرا فى جيبه طوال أيام ثورة 25 يناير، التى تحل ذكراها الثالثة علينا بعد أيام. الكراس لعب دور شاهد العيان على وجوه ثائرة تجمعت فى ميدان التحرير وامتزجت به. الكاتب هنا عاين بنفسه، وليس من رأى كمن سمع. والكتاب يشكل نوعاً ما امتداداً لـ«مقتنيات وسط البلد»ـ وهو النص الذى قدمه سعيد عام 2010، وحكى فيه عن البشر فى علاقتهم بالمكان، وهو الأمر نفسه الذى فعله صاحب «تغريدة البجعة» فى «كراسات التحرير»، والمكان هنا ليس كغيره من الأماكن، هو كلمة السر، التى تشير إلى ثورة مختلفة غيرت المفاهيم وأسقطت الأقنعة والأنظمة:

ميدان التحرير. يكتب المؤلف: «ميدان التحرير هو جسر عبورى اليومى بين بيتى وعملى.

مقاهى وسط البلد ترسم خريطة حياتى، وعلى كراسيها تلك الشخصيات، التى ألهمتنى ما أكتب، وبين مبانيها وفى شوارعها تحركت أفكارى وأحلامى ومارست نزقى وشرودى الصغيرة.

عبر عقود لا بأس بها صرت أعرف الميدان حجراً حجراً وشرفة شرفة، وبت أميز وجوه من فيه من السكان وأصحاب المحال وعمال النظافة وباعة الجرائد وأفراد الدرك وحتى العابرين لأعمالهم»، وحين كان الميدان هو البطل خرجت الكراسة، ومن يقرأ يدرك أن الكتابة فى هذا العمل ليست إلا حشداً لمجموعة من الصور والحكايات لأبطال كانوا هناك وقت الحدث الأكبر، أراد «مكاوى» أن يوفيهم حقهم وأراد لنفسه التعبير عن الحدث «هذه الكراسات على صغرها تحوى ما أردت قوله عن الثورة.

صحيح أن ذاكرتى فاضت بمشاهدات وحكايات وأقوال وأحداث كثيرة، لكن هذا الذى اخترته منها وضمنته فى الكراسات هو ما أظنه يرسم الصورة كما رأيتها»، وقصص الكراسات تترك انطباعاً مؤكداً أن الواحد من أبطال «الميدان» الذى غير وجه الوطن هو عالم بذاته. هكذا شاهدنا «صابرين» «الفتاة الضامرة التى لا يتجاوز عمرها الرابعة عشرة (...) أدماها السير حافية فى دروب وسط البلد وشوارعها وأزقتها، فتشقق باطن قدميها، وتحول إلى شكل خارطة متشابكة الحدود والتضاريس»، وهى فى قلب الحدث، تفر فى البداية من الدهس، ثم تنخرط مع الثوار فى النهاية، وتقدم لهم ما استطاعت ولو «كوب شاى»، وهى حين فعلت «لم تكن تطلب مالاً، وكانت تقبل ما يلقى أمامها من نقود. وفى الأحداث الكبيرة «تجمع الأحجار وتناولها للمتظاهرين.. وأحياناً تلقيها بيديها الصغيرة فتقع فى منتصف المسافة».

أعاد الميدان صابرين مرة أخرى للحياة: «بدت لصابرين الحياة كأنها أبد.. والميدان كأنه وطن».

عم عبدالتواب وجه آخر نعرف قصته. رجل اقترب من السبعين، رحلت زوجته وبات مهموماً من فكرة هجوم اللصوص على شقته لسرقتها هو قليل الحركة حتى إنه أوهم من يقف أمام شقته فى الطابق الأرضى بوجود كلب حيث علق لافتة «احترس من الكلب» وكان بين الحين والآخر يدير «سى. دى» سجل عليه نباحاً شرساً لكلب، وحين هبت الثورة «قبع ساكناً بين جدران شقته لبضعة أيام، ولما سمع أن أهالى الحى كونوا لجانهم الشعبية، أصر على مشاركتهم، والوقوف مع اللجنة، التى كان مقرها بالقرب من بيته، ويوماً بعد يوم صار يعرفهم ويعرف عائلاتهم وصاروا يعرفونه، وتخلى عن عاداته فى النوم المبكر، وراح يسهر معهم إلى ما بعد منتصف الليل، ووجد للعصا وظيفة أخرى هى التلويح بغضب فى وجه البلطجية».

وبكراسة التحرير وجوه أخرى وقصص أخرى عليك فقط أن تقرأها لتستمتع بتفاصيل اللحظة، التى مضت فعلياً، لكنها قبعت حاضرة فى مكان آمن بالذاكرة لا ترفض طلباً لمن يستدعيها.