مزاد عالمي للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في 22 منطقة تقع في خليج السويس والصحراء الغربية والبحر المتوسط ودلتا النيل، أعلنته الهيئة العامة للبترول، والشركة القابضة للغازات (إيجاس)، ليعطي بارقة أمل جديدة في قطاع الطاقة المترنح بعد ثورة يناير 2011، الذي يواجه مشاكل جمة بدءا من المديونية المتراكمة على الحكومة للشركات الأجنبية والبالغة 6 مليارات دولار، ثم دعم الوقود المتضخم الذي يمثل مصدرًا مستمرًا لقلق الحكومة.
ويعتبر قطاع الأنشطة الاستخراجية أحد القطاعات الاقتصادية التي واجهت انكماشا عقب ثورة يناير، فخلال العام المالي الأخير 2012/2013 تقلص القطاع بمعدل 2.7%، وقبله في 2011/2012 بلغ معدل نمو القطاع نحو 0.1% فقط، وذلك وفق وزارة التخطيط، ليدل بذلك على انخفاض الأنشطة الإنتاجية للقطاع أو الاستثمارات المتدفقة إليه مقارنة بالسنوات السابقة.
ويعتبر قطاع البترول والغاز الطبيعي في مصر من أهم القطاعات ذات القيمة المضافة في الاقتصاد المصري، إذ إنه ساهم بنحو 17.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012/2013، وشكلت الاستثمارات المتدفقة إليه نحو 26% من إجمالي الاستثمارات الكلية خلال نفس العام، وذلك حسب وزارة التخطيط، ويمكن اعتباره بذلك الحصان الأسود الذي دائما ما يقود النمو الاقتصادي في مصر.
وكغيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى عقب الثورة، تأثرت الأنشطة الاستخراجية سلبا، إذ تراكمت ديون الحكومة المصرية للشركات الأجنبية نتيجة نقص المعروض من الدولار وانخفاض الاحتياطات الأجنبية، ويبلغ إجمالي الديون نحو 6 مليارات دولار حسب تصريح رئيس الوزراء حازم الببلاوي، ولكن في شهر ديسمبر من العام الماضي أعلن الببلاوي عن الموافقة عن تسوية نحو 1.5 مليار دولار من إجمالي الديون، بما يمثل نحو الربع من إجمالي الديون المستحقة، وتبدو التسوية كبادرة جيدة لجذب استثمارات الشركات الأجنبية في القطاع، والتوسع في الأنشطة الإنتاجية للحقول القائمة، إلا أنها مازالت محل شك في ظل اضطراب الظروف الاقتصادية والسياسية.
وتمثل الشركات الأجنبية لاعباً رئيسيا في صناعة البترول والغاز الطبيعي في مصر، وتعتبر شركات بريتش بتروليوم البريطانية وإيني الإيطالية وأباتشي وشل الأمريكيتين أكبر اللاعبين في صناعة البترول، إضافة إلى شركات متوسطة وصغيرة أخرى تشارك في إنتاج واكتشاف البترول والغاز الطبيعي، وتنتج شركة بريتش بتروليوم نحو 40% من الإنتاج المصري للغاز الطبيعي، وذلك حسب تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الصادر عن مصر أغسطس 2013، وتبلغ الديون المستحقة لشركة بريتش بتروليوم وحدها نحو 3 مليارات دولار في نهاية 2012 منها نحو مليار دولار متأخرات، ويتوجه معظم إنتاج الشركات الأجنبية للسوق المحلية للوفاء بالطلب المتزايد على الوقود في مصر.
وحسب تقرير الشبكة البحثية الأوربية (ميدبرو) بعنوان التوقعات للنفط والغازفي بلدان جنوب وشرق المتوسط الصادر عام 2012، من المتوقع أن يتزايد الطلب المحلي على البترول والغاز الطبيعي خلال العقد القادم، إذا من المحتمل أن يرتفع استهلاك الغاز الطبيعي إلى 22 مليار متر مكعب عام 2030 مقارنة بنحو 12.1 مليار متر مكعب عام 2009، بينما البترول سيرتفع استهلاكه من 24.4 مليون طن نفط مكافيء عام 2009 إلى 37.4 مليون طن مكافئ عام 2030، بما يعني أن زيادة الاستثمارات في قطاع البترول والغاز الطبيعي أصبحت ضرورة ملحة لتأمين مصادر الطاقة في مصر.
وعلى جانب آخر توقعت التقارير العالمية تحسن الأحوال الاقتصادية خلال العام القادم 2014، ولكنه محفوف بالمخاطر السياسية، ففي تقدير لبنك «إتش إس بى سى» تنبأ أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 2.5% خلال 2013 /2014، (الحكومة تتوقع من 3 إلى 3.5%)، مسجلا ارتفاعا طفيفا عن أرقام 2012 /2013، الذى بلغ فيه 2.1% وفق وزارة التخطيط.
وفي قطاع النفط لا يتغير الموقف كلية عن أداء الاقتصاد بصورة عامة، إذ في تقرير لبيزنس مونيتور إنترناشيونال الصادر حول قطاع البترول في مصر في أغسطس 2013، أكد أن المخاطر السياسية في مصر بلغت ذروتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولكن من المتوقع حدوث تحسن طفيف خلال الأشهر المقبلة مع تحقيق الحكومة المؤقتة الحالية حسب رؤيته نوعا من الاستقرار في المشهد السياسي في مصر، ومع ذلك أبقى التقرير على استمرار المخاطر التشغيلية وعدم اليقين داخل قطاع البترول والغاز الطبيعي.
ومع ارتفاع المخاطر التشغيلية للشركات الأجنبية في مصروالناجم بالأساس عن ارتفاع مديونية الحكومة المصرية، كانت الشركات الأجنبية العاملة في مصر عملت على تقليل مخاطرها عن طريق بيع بعض أصولها، وقد باعت بالفعل شركة «أباتشي» الأمريكية للنفط والغاز حصة تبلغ 33% من أصولها في مصر الىمجموعة «سينوبك» الصينية المملوكة للدولة مقابل 3.1 مليار دولار خلال أغسطس من العام الماضي، ولن يكون ذلك نهاية المطاف، فحسب تقرير بيزنس مونيتور سيؤثر ارتفاع المخاطر التشغيلية على إنتاج البترول والغاز في مصر خلال الأشهر المقبلة وربما السنوات القادمة، ومن المحتمل أن تخفض بعض الشركات مثل بريتش بتروليوم وبي جيه البريطانيتين إنتاجهما خلال 2014.
ورغم ذلك شدد التقرير على أن مصر تحمل إمكانات مصر الواسعة من البترول والغاز الطبيعي في ظل سلسلة من الاكتشافات الحديثة البرية و البحرية، ويذكر أن مصر تمتلك وفق التقرير الإحصائي لشركة بريتش بتروليوم عام 2013 نحو 4.3 مليار برميل احتياطات بترولية بنهاية 2012 ويمثل نحو 0.3% من الاحتياطات العالمية، بينما احتياطات مصر من الغاز الطبيعي تبلغ نحو 72 تريلليون قدم مكعب بنهاية نفس العام.
وختاما، فإن جذب أي استثمارات جديدة في قطاع البترول والغاز الطبيعي أو التوسع في الأنشطة القائمة مرهون بقدر كبير بعدد من العوامل، أهمها ملف تسوية الديون المصرية للشركات الأجنبية، فضلا عن تقليل مخاوف الشركات الناجمة عن اضطراب الحياة السياسية التي رفعت من سقف مخاطرها التشغيلية خلال أعوام ما بعد الثورة.