شهد عام 2013 صعودا لافتا للاحتجاجات الشعبية فى معظم أنحاء العالم. وبات مشهد اعتراض الجمهور ونزولهم للشوارع متكررا، حتى فى الأنظمة الديمقراطية الهادئة نسبيا. فى نفس الوقت صاحب هذا الصعود اللافت للاحتجاجات تراجعا لدور الأحزاب السياسية المعارضة التى كانت تعتبر أداة للضغط على الحكام، ليصبح الشعب هو مصدر التهديد الرئيسى للأنظمة الحاكمة.
وتلعب عملية التعبئة الشعبية ضد النظام، والتى تشترك فيها فئات كثيرة كالطلاب والمثقفين والعمال، دورا حاسما فى الانتقال السياسى فى الحكومات، ليصبح اللجوء إلى الإضرابات والاحتجاجات الشعبية عاملا قويا للضغوط على الحكام ودفعهم لمحاولة تهدئة التوترات فى بلادهم، خشية انهيار أنظمتهم.
ومن أبرز أمثلة الاحتجاجات الشعبية لعام 2013 تلك التى شهدتها تركيا وأوكرانيا وتايلاند والبرازيل، وقال معهد «كارنيجى» الأمريكى للدراسات السياسية، إن المظاهرات الحاشدة فى تلك البلاد ملأت وسائل الإعلام، وبدا أن المواطنين فى جميع أنحاء العالم، تشجعوا لتهديد وجود حكوماتهم، وأصبح الخوف من السلطة غير موجود.
ويعتقد المراقبون أن حدوث كل هذه الاحتجاجات فى فترة زمنية قصيرة، يُنذر بوجود موجة جديدة مما يسمى بـ«الديمقراطية الشعبية» التى يقودها المواطن بنفسه، وبعد الحديث فترة طويلة عن «المجتمع المدنى العالمى»، ويرى البعض أنه أصبح هناك ما يسمى «عولمة الاحتجاج».وهناك تشابه واضح بين مختلف الحركات الاحتجاجية، خاصة فيما يتعلق بتصاعد سقف مطالب المحتجين، الذى ينتقل بسرعة من مرحلة الإحباط من حكومته ثم الثورة عليها والمطالبة بإسقاط الأنظمة.
ويستبعد «كارنيجى» أن تهدأ روح «الديمقراطية الشعبية» حول العالم، فعلى سبيل المثال شدد رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان قبضته، بعد الاحتجاجات، ولكن تزايد السخط الشعبى ضده. ورغم أن تركيا تتمتع بقيادة قوية، وحققت تطورا اقتصاديا وضعت احتجاجات ساحة تقسيم، الحكومة على حافة السقوط، وتزعزعت هيبة الدولة بعد الاضطرابات التى شهدتها البلاد نتيجة لفضائح الفساد التى تورط بها مسؤولون وأثارت غضبا شعبيا ضد أردوجان، وصل إلى حد المطالبة برحيله.
وحاول أردوجان تهدئة توترات الشارع عن طريق إقالة بعض من قادة الشرطة فى اسطنبول، وإجراء تعديل وزارى واسع فى حكومته، ولكنه لا يزال فى موقف ضعيف، ومازال الشارع التركى قابلا للانفجار.
وفى أوكرانيا، تركز انتباه العالم خلال الفترة الأخيرة على الشعب الذى وصفه المراقبون بـ«الشجاع»، حيث نظم تجمعات كبيرة دعما للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى بدلا من التحالف مع روسيا. وقدمت الأزمة الأخيرة فى أوكرانيا دليلا جديدا على أن الأنظمة غير قادرة على الوقوف فى وجه إرادة الشعوب، حتى وإن جاءت بطرق ديمقراطية.
وفى تايلاند، قال أحد زعماء الاحتجاجات سوثيب تاوجوثبان لرئيسة الوزراء «أعيدى التفويض للشعب»، مما يؤكد أهمية السلطة الشعبية، وسارعت الحكومة إلى التنازل بحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة لاحتواء المعارضة، التى رفضت وطالبت برحيل الحكومة، وأن يحل «مجلس معين من الشعب» محل الحكومة.
وتؤكد احتجاجات البرازيل، أن حجم التأييد الذى تتمتع به القيادة على المستوى الجماهيرى قد لا يكون كافيا لجعل المظاهرات تتحمل قرارات أو إجراءات قد تراها غير ملائمة. فالرئيسة، ديلما روسيف، تولت الحكم عام 2011 وكان تسليم السلطة مختلطا بدموع التأييد. ورغم أن روسيف تفاجأت بالرفض الجماهيرى الواسع، إلا أنها استجابت بسرعة لمطالب الجماهير فألغت الزيادة فى تعريفة النقل لتجنب خسارة شعبيتها.