فى ديسمبر 1979 أعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى حديث لمجلة «أكتوبر» عن نيته توجيه قدر من مياه النيل إلى القدس، وهو ما أثار تحفظ إثيوبيا، التى هددت فى مايو 1980 بتغيير مجرى نهر النيل بالقوة العسكرية، لترد «الخارجية المصرية» بأن «مصر ستمضى إلى خوض الحرب من أجل تأمين النيل». أجواء التهديد فى أواخر سبعينيات القرن الماضى بين مصر وإثيوبيا عادت مجددا خلال العام الماضى مع شروع أديس أبابا فى بناء سد «النهضة العظيم» على نهر النيل، بسعة تخزينية تصل إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما قد يسبب ضررا بالغا بحصة مصر من مياه النيل، ورغم أن إثيوبيا، التى توصف بأنها «نافورة أفريقيا» كونها تتمتع بمياه غزيرة طوال العام، ولكنها تفشل فى استثمارها- على أبواب صدام مع مصر فى مواجهة يخشى أن تكون بداية لـ«حروب العطش»، التى حذرت منظمات دولية من اندلاعها خلال السنوات الـ50 المقبلة.
وأبرز خطوط الصراع فى «حروب العطش» فى المنطقة، الحرب الخفية التى تخوضها تل أبيب منذ عشرات السنيين على مياه المنطقة، حيث بلغ معدل سرقتها من مياه الضفة الغربية بإحصائيات 2010 حوالى 1200 مليون متر مكعب.
ورغم أن العرب يغضون الطرف عن السجال المحتدم بين إسرائيل ولبنان بشأن مياه نهر «الوزانى»، فإن ذلك لن يغير من حقيقة كوننا مقبلين على حرب شاملة صراعا على المياه مع إسرائيل. فالبيانات الصادرة عن مراكز الدراسات العربية والغربية تشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن إسرائيل ستعانى عجزا يبلغ 50% من احتياجاتها، وهذا الاحتياج لم يغب عن تيودر هرتزل من الإرهاصات الأولى لقيام إسرائيل، حيث ركز فى مذكراته عام 1885 على ضرورة ضم جنوب لبنان وجبل الشيخ، وفى 1917 نصح ديفيد بن جوريون فى كتابه «أرض إسرائيل» أن تشمل حدود إسرائيل منابع أنهار الأردن والليطانى واليرموك.
وحذر المجلس الوطنى للاستخبارات الأمريكية، فى تقاريره العام الماضى، من أن مناطق شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا ستواجه تحدّيات كبرى لمواجهة أزمة المياه، بسبب ارتفاع عدد سكانها، وتأخر نموها، ويتوقع مع حلول 2040 اندلاع حروب وثورات اجتماعية.
وحذرت مؤسسة الاستشارات الدولية «برايس - ووتر هاوس - كوبرز» من أن النزاعات ستزداد حدة، بسبب نقص المياه، الذى يتوقع أن يطال قرابة ثلثى سكان العالم فى 2050، وأحصت11 منطقة تشكل موضع خلاف قابل أن يتحول إلى نزاع، وهى: مصر وإثيوبيا حول مياه النيل، ومصر والسودان وليبيا وتشاد والنيجر، التى بينها خلاف على حقل مائى جوفى بعمق 800 متر، وإسرائيل ولبنان حول «الوزانى»، وتركيا وسوريا والعراق، بسبب السدود التركية، التى بنيت أو تدخل ضمن مشاريع مستقبلية لمياه نهرى دجلة والفرات، وإيران والعراق، اللتان يتنافسان على «شط العرب»، ملتقى دجلة والفرات، وزامبيا وبتسوانا وزيمبابوى وموزمبيق حول تقاسم مياه نهر السنغال، والهند وباكستان حول نهر الهندوس، والهند وبنجلادش حول دلتا نهرى «الجانج» و«براهمابوترى»، وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغزستان وطاجيكستان حول نهرى «أمو داريا» و«سير داريا» وبحر «أرال»، والمجر وسلوفاكيا حول محطة «غابسيكوفو» لتوليد الكهرباء، الواقعة على نهر الدانوب، وصربيا وكرواتيا، بسبب «النقص المحلى» للمياه، و«تحويلات التلوث» إلى نهرى «الدانوب» و«الساف».
وحذر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للمياه من كارثة إنسانية تنتظر القارة السمراء، وتهدد باندلاع المزيد من حروب المياه، وحذر من أن حوالى 700 مليون شخص فى 43 دولة أفريقية يعانون ندرة المياه، كما يعجز 300 مليون شخص فى أفريقيا عن الحصول على المياه النقية، وتشير مذكرة حكومية فرنسية إلى أن «مليار إنسان فى العالم يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، فيما لا يتمتع 4.2 مليار شخص بتكنولوجيا المياه النظيفة، وحتى يتمكن العالم من إطعام 8 مليارات نسمة، وتحسين أوضاعهم بحلول 2050 عليه أن يستثمر 180 مليار دولار سنويا مقابل 70 إلى 80 مليارا حاليا، وأوضحت المذكرة الفرنسية أن سوء استخدام الأنهار والمياه الجوفية والتلوث والتبذير وتزايد السكان والنمو الفوضوى الحضرى ستجعل الشح الحالى (أقل من 1000 متر مكعب سنويا للفرد)، الذى يطال 250 مليون نسمة فى 26 دولة يتحول إلى «ظمأ هائل» يطال ثلثى سكان الأرض.