ربما كان كاتب هذه السطور مبادرا بالتمييز بين ما سماه مثقف الدولة ومثقف النظام، وكان ذلك فى مقالين نشرا منذ سنتين بجريدة الأخبار، ولم يكن ذلك لعبا بالألفاظ، ولكنه كان محاولة لرأب بعض الصدوع، التى نتجت عن انهيار نظام مبارك، وظهور حالة شبيهة بالمكارثية أرادت أن تعتبر كل من شارك فى عمل مؤسسات ذلك النظام مجرما إلى أن يثبت العكس، وحتى إذا ثبت العكس، ولم يقدم الشخص إلى التحقيق أو المحاكمة، وتأكدت براءته من الفساد ومن الاستبداد، فإن استبعاده من سجل الوطنية والعطاء أمر واجب، فما بالك بسجل الثوار الأطهار.
كتبت آنذاك أن الظروف السياسية فى مصر خلال حقبها الحديثة والمعاصرة فرضت على كثير من العلماء والخبراء فى مختلف المجالات أن يسلكوا طريقا محددا لخدمة الدولة أو الوطن، وهو الطريق الذى رسمه النظام الحاكم، أو الحاكم بنفسه، سواء كان ذلك الطريق مجلسا نيابيا أو استشاريا أو فنيا متخصصا، أو كان تنظيما وأحيانا حزبا سياسيا، هكذا كانت الحال منذ تأسيس الدولة الحديثة أيام محمد على باشا الكبير مطلع القرن التاسع عشر، وبقى مستمرا حتى أوائل القرن الحادى والعشرين عند انهيار الحزب الوطنى الديمقراطى، وزوال حكم رئيسه محمد حسنى مبارك، وهناك عشرات إن لم يكن مئات الأسماء لمثقفين وعلماء وخبراء فى مجالات مختلفة لم يجدوا طريقا لخدمة الوطن إلا بالانضواء فى «التشكيل»، الذى يؤسسه الحكم، أو يرضى عنه، ولا أنكر أننى كتبت ما كتبت فى هذا الاتجاه، وفى ذهنى العديد من الأصدقاء المرموقين فى تخصصاتهم والموهوبين فى قدراتهم، كُتب عليهم أن ينضموا للحزب الوطنى مثلما كُتب عليهم من قبل أن ينضموا لتنظيمات ثورة 23 يوليو، ولا يستطيع أى منصف أن يثير من حولهم الشبهات بأى درجة، ومن أى نوع سوى أنهم لم يمتلكوا ما يمكنهم من أن يعملوا من خارج إطار المنظومة الرسمية، وفى هذا المقام أظن بل أعتقد أنه ليس مطلوبا من الجميع أن يكونوا معارضين طوال الوقت، وأن تكون حقائبهم جاهزة للحبس أو الاعتقال، وأن تكون أسماؤهم على قوائم ترقب السفر والوصول!المهم أننى ما زلت عند موقفى، الذى يرى أن بناء الأوطان، خاصة فى مراحل الانتقال من هدم نظم إلى بناء نظم بديلة يحتم الاستفادة من كل الكفاءات الوطنية طالما لم تدن بجرائم ثابتة فى استبداد أو فساد.
ولكن..!!
رغم أنه «آه من ولكن»، إلا أنها ضرورية الآن أكثر من أى وقت، لأن ما يتسرب وما يظهر من استعدادات يقوم بها مثقفو وموظفو ومحاسيب وشركاء استبداد وفساد نظام مبارك للعودة إلى الفعل السياسى ثانية، والتأثير فى مجريات أمور الوطن، هو أمر لا يسكت عليه، ولن نسكت عليه، وكما قاومناه من قبل وقاومنا بعده الاستبداد والفساد والخيانة باسم الدين، فإننا سنفعل ما فعلناه، وتسألنى عن «مَنْ أنتم؟» أى إلى من يعود الضمير فى «قاومناه»، فأقول مباشرة نحن كل أبناء الوطن المصرى بمن فينا أولئك، الذين شاءت أقدارهم من قبل أن يكونوا ممن عملوا لخدمة الدولة المصرية عبر نظام مبارك وحزبه السياسى، ولكن الفرق بينهم وبين أولئك السفلة خدم الهانم وابنها، وخدم زكريا عزمى والشريف والفقى وغيرهم، هو أن أولئك الوطنيين كانوا مضطرين، ولم يشاركوا فى فساد، ولم ينحنوا للهانم، ولا لعقوا حذاء الغلام.
نعم وبالثلاثة للاصطفاف الوطنى لقتال الإرهاب، ومقاومة الإخوان، ومن على شاكلتهم، ولكن هذا الاصطفاف لن يكون بحال من الأحوال ثغرة ينفذ منها السماسرة واللصوص والمحتالون والقوادون، وعملاء العدو الصهيونى، وخدم الهانم وشماشرجية جمال وعلاء!
ولا وبالثلث والنسخ والرقعة والديوانى وبالعربى والهندى والهيروغليفى لسوزان مبارك، التى يقال إنها بدأت تلعب ثانية الآن، ولكل من يظن أن الوقت مناسب ليطل بوجهه الكئيب الكالح على الحياة العامة فى مصر، ولو من وراء ستار.
إنهم يظنون أن 30 يونيو ألغت 25 يناير ويظنون أن كل من يقف ضد الإخوان ونظامهم، وضد الذين يتخذون من الدين مرجعية وحيدة فى العمل العام، هو بالضرورة وبمفهوم المخالفة مع مبارك أو حزبه أو رجاله، أو أنه سيغض الطرف عن أولئك السماسرة واللصوص والمحتالين والقوادين وعملاء العدو الصهيونى، وعلى قاعدة «عدو عدوى صديقى»!، وهذا ظن ساذج وغلط، ولن يتحقق بحال من الأحوال.
إن سوزان ثابت مختلطة الأصل الأسرى مجهولة النسب السياسى والثقافى، التى كانت تتلذذ بإذلال الوزراء والكبراء، وكان «فاضل» إنها تضرب بعضهم بـ«الشلوت» بعد وصلات الردح والسباب، التى كانت تكيلها لهم، وكانت تنتشى كلما ازدادت تسريبات أنها هى الحاكم الفعلى للبلاد، وأن الباشا فقد كل صلاحياته، وكل ما يفعله هو الجلوس، ويده على خده أمام البحر، وأنها هى التى هندست التوريث، وخاضت المؤامرات لأجل أن تبقى الرئيسة الأم بعد الرئيسة الزوجة. هذه السوزان تخطئ إذا ظنت أن الله عفا عما سلف، وأن الإخوان إذا كانوا لم يحبسوها، واكتفوا برد شوية ملايين من فلوسها، فإن الأولى بالحكم غير الإخوانى أن يقبل بوجودها فاعلة فى الحياة العامة، ويجب أن تعلم هى ومن يعقدون الاجتماعات، وينفقون الأموال فى المنتجعات لأجل عودة الحزب الوطنى وسياساته وألاضيشه، ولو تحت لافتة أخرى أن الحساب فى المرحلة المقبلة سيكون مثل الحساب، الذى لاقته المرحومة مارى أنطوانيت... وكفاية كده الآن.