بدأت كرة الثلج بمؤتمر صحفى فى مركز «نبض الحياة» دعت إليه حركة كفاية فى السادس والعشرين من إبريل الماضى، فى ذلك المؤتمر الذى حضره عدد من محررى المجتمع المدنى بالصحف، أعلنت كفاية عن إطلاق حملة جمع توقيعات لسحب الثقة من الرئيس المعزول محمد مرسى، والدعوة لعقد انتخابات رئاسية جديدة.
استغرق المؤتمر يومين ليصل إلى القراء ومتابعى الفضائيات، لكن بعدأيام قليلة كان اسم «تمرد» يحتل واجهة النشرات القصيرة والصفحات الأولى، وبعد أسابيع أخرى وفى يونيو من العام نفسه، صار اسم تمرد والأرقام التى تعلنها حول عدد التوقيعات الرافضة لحكم محمد مرسى، ضيفا مقيما فى مانشيتات الصحف الرئيسية، وتحول نجومها الثلاثة «محمود بدر» و«حسن شاهين» و«محمد عبدالعزيز» من محررين صحفيين مجتهدين، إلى قيادات سياسية تنتظر الصحف تصريحاتها ورؤاها السياسية، بعد أن نجحت الحملة خلال أسابيع فى جمع ملايين التوقيعات.
أتى أصحاب الوجوه الثلاثة الشهيرة لتمرد من خلفية ناصرية جمعت بين ثلاثتهم. لايزال كثير من التفاصيل حول نشأة الحملة وتكوينها وجهات الدعم المالى لها غامضة وغير معروفة، ولم يكشف منسقو الحملة عنها حتى الآن. لكن الحملة نجحت فى الخروج عن انتماءات مؤسسيها السياسية، ونجحت فى ضم شباب وكبار سن من قطاعات ومجموعات سياسية هى فى حقيقتها متعارضة فى توجهها السياسى، بل وفى رؤيتها لثورة الخامس والعشرين من يناير. لكن التصريحات الصحفية لأعضاء الحملة والمشاركين فى جمع توقيعاتها، اتفقت على أن ما وصل إليه حال البلاد خلال حكم الرئيس المعزول كان محركا لتوحد الأطياف السياسية المتعارضة جذريا على أرضية «إنقاذ مصر من حكم فاشل»، كما جاء على لسان حسن شاهين فى لقاء تليفزيونى بثته فضائية الحياة فى منتصف مايو الماضى.
بعد أسبوعين فقط من إطلاقها، أعلنت الحملة عن وصول توقيعاتها إلى 2 مليون و30 ألف توقيع تقريبا، وهو ما أحدث صخبا إعلاميا واسعا، ساهمت فيه تعليقات أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التى شككت فى نزاهة الحملة وصحة أرقامها. وبعد أسبوعين آخرين ومع الإعلان عن تخطى التوقيعات 15 مليون توقيعا، بدأت تخوفات أخرى فى الظهور فى أوساط المجموعات الثورية المنظمة وغير المنظمة، حول مشاركة رجال أعمال وإعلاميين من المؤيدين المخلصين لنظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى دعم الحملة والدعاية لها، وهو ما تجاهل منسقو الحملة الرد عليه فى البداية، ثم ألمحوا فى الأسابيع الأخيرة قبل ثلاثين يونيو إلى عدم اعتراضهم عليه لكون الحملة تستهدف إيصال المصريين جميعا دون إقصاء ضد الإخوان.
كان الحدث الأكثر لفتا للانتباه هو رصد إعلاميين لمشاركة عدد من ضباط الشرطة فى جمع توقيعات حملة تمرد، وتعاونهم مع جامعى التوقيعات فيها، وهو ما جعل وجود ضباط وأفراد الشرطة فى أوساط المتظاهرين فى 30 يوليو وما تلاها تحركًا مرحبًا به، خاصة مع انضمام فئات جديدة تخوض التظاهر للمرة الأولى، رغم اعتراضها السابق على المبدأ.
فى الأيام التالية للثلاثين من يونيو تحولت تمرد من حركة شعبية رافضة، إلى جزء لا يتجزأ من تركيبة السلطة الجديدة، بدأ ذلك فى لقطة جلس فيها منسق الحملة محمود بدر جوار الفريق أول عبدالفتاح السيسى أثناء إلقائه بيان الثالث من يوليو. ثم باختياره وزميله محمد عبدالعزيز عضوين فى لجنة تعديل الدستور التى حظى فيها التيار الناصرى بتمثيل واسع. فى الوقت نفسه تباعدت الهوة بين منسقى تمرد وزملائهم القدامى من الثوار، وبدأ جسم الحملة فى التصدع وتوالت الاستقالات فيها بعد تبنى منسقيها لمواقف الحكومة والسلطة فى تأييد قانون تنظيم التظاهر وإقرار المحاكمات العسكرية للمدنيين فى مشروع الدستور الجديد، ومواقف أخرى ترى الدوائر والحركات السياسية الثورية فيها انقضاضا على مكتسبات الثورة وأهدافها.