«هولاند».. «رداء نابليون» يغطي أزمات باريس

كتب: أيمن حسونة الجمعة 27-12-2013 20:16

«الغبى المفيد».. كان ذلك لقب فرانسوا هولاند خلال فترة غليان الجامعات الفرنسية بستينيات القرن الماضى، حيث كان مثار سخرية زملائه الشيوعيين فى باريس الوافد إليها فى ذاك الوقت ولكنه نجح فى انتخابات اتحاد الطلاب وأثبت لزملائه براعته.

فمن طبيب يمينى متطرف وأم ممرضة يسارية ولد ونشأ أولاند فى بيت مزقته الخلافات، قبل أن يرحل الأب تاركا الأسرة للمرأة اليسارية، ليعتنق ابنها الثانى مذهبها ويدخل مكتب الرئيس الفرنسى الأسبق فرانسوا ميتران ويلقبه لاحقه جاك شيراك بـ«كلب الرئيس الاشتراكى». وأصبح أولاند أصغر برلمانى فى تاريخ فرنسا بعمر 27 عاما ويدخل الإليزيه فى 2012 كأول رئيس اشتراكى منذ 17 عاما.

ومثل دخول «هولاند» الإليزيه فرصة حالمة لإيجاد قطيعة مع الماضى الرأسمالى والتبعية لسيدته «أمريكا» ولكنه نجح بسرعة فى إحباط ناخبيه عبر زيادة الضرائب وإعادة النظر فى قانون العمل وتعويضات التقاعد ليحدث بسياسته التقشفية قنبلة أدت إلى «انهزامية الاشتراكية»، ويصبح أولاند أسرع رئيس فى فرنسا يفقد شعبيته (وصلت 26% فى يناير 2013) ليصرخ المتظاهرون بهتافات «فاض بنا الكيل».

ويبدو أن النظام السياسى، والصناعة الفرنسية، والجيش، فى حاجة لحرب كل عام، وذلك حتى تدور «طاحونة» الحكم بصورة مرضية فى نزعة «نابليونية»، بحسب تعبير صحيفة لموند «ديبلوماتيك»، حيث دخل أولاند بقوات بلاده فى معركتين منذ وصوله للسلطة الأولى كانت مالى نهاية 2012 والثانية بدأت الشهر الماضى فى أفريقيا الوسطى.

ومع تصاعد غزو التنين الصينى لـ«جنان» الألماس و«حدائق» اليورانيوم فى دول النيجر ومالى وأفريقيا الوسطى، التى تمثل إفريقيا الفرانكفونية وتأثير أزمة الميزانية الأمريكية التى هددت الأسواق العالمية، تشهد الساحة الخارجية تمردا فرنسيا غير مسبوق على قوانين حلف شمال الأطلنطى (ناتو)، عبر حنين فرنسى جارف للماضى الاستعمارى لحماية مصالحها، ففى مالى التى يحمل باطنها ثروات نفطية ومعدنية كبيرة، تقع على مقربة من حقول النفط الجزائرية التى تشكل مطمعا كبيرا للفرنسيين، وعلى مسافة قريبة أيضا من أماكن التنقيب ذات المؤشرات الإيجابية فى موريتانيا. وكذلك فى أفريقيا الوسطى التى تعد مركزا تجارياً عالميا للألماس، ويصل إنتاجها إلى 400 ألف قيراط سنويا، (يمثل أقل من 1% فقط من مخزون بانجى).

وتظهر النزعة الانتهازية فى دعم فرنسا وصول السيليكا، (ميليشات لمتمردين مسلمين وصلوا للحكم بانقلاب على الرئيس فرانسوا بوزيزى فى مارس الماضى)، إلى الحكم بعدما رفضت تقديم العون إلى حليفها السابق بوزيزى، وذلك يرجع إلى اعتبارات سياسية واقتصادية، لا سيما بعدما أقدم الأخير على منح عقود للتنقيب على النفط لشركات صينية وجنوب أفريقية على حساب الشركات الفرنسية، لذا كان أول تصريح الرئيس المؤقت ميشيل دوجوتا (من السيليكا) أن حكومته ستراجع عقود النفط التى وقعتها الحكومة السابقة.

وفى ملفات الجزائر والمغرب يسير «هولاند» على الحبال بين الاثنين لتحقيق المصالح الفرنسية، فزيارته للمغرب فى إبريل 2013 كانت بدواع سياسية للحصول على دعم الرباط فى عدة ملفات وخاصة فى مالى ولتحقيق التوازن مع زيارته للجزائر أثارت شكوكا بأن باريس تسعى لتطوير شراكة مع الجزائر على حساب الرباط. وكان واضحا من نتائج زيارة الجزائر أن هدفها الانقضاض على نفطها واحتياطيها النقدى الأجنبى.

وذلك التوجه لم يمنع باريس التى كانت أبرز الوسطاء لحل أزمة الملف النووى الإيرانى لأن تكون المتعنت الوحيد الذى حاول عرقلة اتفاق جنيف، وذلك وسط تقارير فرنسية تحدثت عن شراء السعودية موقف باريس بصفقة أسلحة تصل إلى 20 مليار يورو لتعويض تضرر نفوذها وخلق توازن فى الخريطة الجيوسياسية فى الشرق الأوسط، عبر محور جديد «الرياض- باريس»، بعد تضرر لافت بمحور «الرياض- واشنطن».

وإذا كان عام 2013 هو عام «الشرطى الفرنسي» خارجيا و«الانهزامية الاشتراكية» داخليا، فإن عام 2014 يشهد محاولات الإليزيه لعدم التورط أكثر فى هذين المستنقعين.

وتجاوز فرنسا لدور الاتحاد الأفريقى سيعزز المخاوف من أن باريس تقود حملات عسكرية لحساباتها الخاصة مما يعزز الانهيار الأمنى فى القارة السمراء، ويعمق من أزمات فرنسا نفسها، وهو ما بدا من محاولات باريس لتجنب الاستغراق فى لعب دور شرطى أفريقيا بالسعى نحو مشروع لتشكيل قوة أفريقية لتتولى زمام القارة.

«هولاند» الذى حاول تحويل اتجاهات الرأى العام الداخلى مع تراجع شعبيته الجارف، نحو الخارج، من خلال خوض مغامرات عسكرية غير محسوبة وقد تؤدى بفرنسا إلى مزيد من التقهقر من الناحية الاقتصادية، الأمنية، والاجتماعية، على موعد تحد مع قنبلته «التقشفية» فى العام المقبل والتى توصف بأنها مجحفة اجتماعياً وغير فعالة اقتصادياً.