38 دولة، 287 ألف ميل، 135يوما.. تلك هى محصلة جولات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى خلال عام 2013، فمنذ تسلمه منصبه فى فبراير الماضى، خلفاً لهيلارى كلينتون، حفلت أجندة كيرى بالعديد من الأحداث والمهام. وبروح من الإصرار وحب المخاطرة، استطاع «رئيس الدبلوماسية الأمريكية» إحراز نوع من التقدم فى بعض الملفات الخارجية، فى حين يبرز البعض الآخر كتحدٍ له ولبلاده خلال 2014. ومع ذلك، تبقى حقيقة ثابتة، وهى أن سجل «كيري» سيضعه ضمن أهم وأنشط وزراء الخارجية فى تاريخ بلاده.
فخلال عامه الأول فى الوزارة، ظهر كيرى كقوة دافعة وراء موجة من الدبلوماسية فى الشرق الأوسط لم تشهدها المنطقة منذ سنوات. وفى مواجهة شكوك منتقديه، تمكن كيرى خلال 10 شهور فقط من تحقيق عدد من الإنجازات، على رأسها: إحياء عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتوسط فى اتفاق مع روسيا لنزع الأسلحة الكيميائية لنظام الرئيس السورى بشار الأسد، فضلاً عن حصول واشنطن على موعد لمؤتمر «جنيف-2» للسلام فى سوريا، المرتقب عقده فى 22 يناير المقبل.
أما الإنجاز الأبرز الذى يُحسب لكيرى، فهو لعب دور مركزى فى بلورة الاتفاق المرحلى بين الدول الكبرى وإيران حول برنامجها النووى فى 24 نوفمبر الماضى. يُضاف إلى ذلك أن كيرى بدأ مناقشات مع الرئيس الأفغانى، حامد كرزاى، بهدف التوصل لاتفاق أمنى جديد، يحدد آليات التواجد العسكرى الأمريكى فى أفغانستان، بعد انسحاب قوات «الناتو» فى أواخر 2014.
وعلى صعيد الملف المصرى، أثارت اتهامات كيرى لجماعة «الإخوان المسلمين» بـ«سرقة الثورة» فى مصر، فى نوفمبر الماضى، اهتمام الكثير من المحللين، حيث رأوا فيها محاولة لتخفيف توتر العلاقات الأمريكية مع الحكومة المصرية بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسى، وظهرت تقارير أمريكية تتحدث عن خلافه مع مستشارة الأمن القومى سوزان رايس التى تتخذ موقفاً متشدداً تجاه السلطات فى مصر.
ويمتلك كيرى، الذى لم يحالفه الحظ عندما خاض السباق الرئاسى عن الحزب الديمقراطى منذ 10سنوات، خبرة سياسية طويلة بعد 6 نجاحات حققها فى الانتخابات التشريعية فى ولاية ماساشوسيتس. ويقول الكاتب الأمريكى دويل مكمانوس، فى مقال بصحيفة «لوس أنجلوس تايمز»: «يجب الوثوق بكيرى، فقد تحمل مخاطر كبيرة، فى تناقض ملحوظ مع سالفته الكارهة للمخاطر كلينتون، التى كانت تميل إلى إسناد المهام غير الواعدة للمبعوثين الخاصين، لكن كيرى قام بتلك المهام بنفسه، مما يعنى أنه إذا مُنيت أى من هذه المهام بالفشل، وقد تفشل جميعها، فإنه سيتحمل السقوط بمفرده».
ويقول محللون إن دعم الرئيس باراك أوباما لكيرى يعد من بين العوامل المواتية التى أسهمت فى منحه مساحة لتحقيق إنجازات، فحتى اللحظة يبدو أن الرئيس الأمريكى قد سمح لكيرى بدور أكبر من هيلارى فى الملفات الخارجية، وهو أمر يرجع ربما إلى أن أوباما لم يعد أمامه الكثير من الوقت قبل انتهاء ولايته الثانية، كما أنه بحاجة إلى من يدير القضايا الخارجية فى ظل انشغالاته الداخلية وخلافاته مع الكونجرس.
ويواجه «كيري» مهمة صعبة لتعزيز دور بلاده على الساحة الدولية فى 2014، الأمر الذى يتطلب منه التعامل مع عدة ملفات شائكة. فعلى صعيد الملف الإيرانى، من المفترض الحفاظ على استمرار المحادثات للتوصل إلى اتفاق طويل الأجل، فى ظل تهديد الكونجرس بفرض عقوبات إضافية على إيران. ومع إجراء كيرى 9 جولات فى الشرق الأوسط خلال 10 أشهر، لا يبدو أنه تم إحراز أى تقدم ملموس يتجاوز حمل الفلسطينيين والإسرائيليين على بدء الحوار، لذا يتعين فعل المزيد، خاصة أن طرفى الصراع كانا قد حددا جدولا زمنيا للتوصل إلى اتفاق فى إبريل المقبل.
وفيما تتجه الأنظار إلى جنيف لترقب حدوث أى انفراجة فى الأزمة السورية، يخشى البعض من ألا تنجح المحادثات فى إبعاد الأسد عن السلطة. كما تواجه واشنطن فى العام الجديد تحدى استعادة ثقة حلفائها فى الخليج، التى هزها الاتفاق مع إيران والتراجع عن قرار ضرب سوريا، فضلاً عن التردد فى اتخاذ موقف سياسى واضح إزاء مصر بعد عزل مرسى. ويشكل مستقبل الوجود الأمريكى فى أفغانستان أيضاً تحدياً بارزاً لكيرى فى 2014، خاصة أن الطرفين لم ينجحا فى إبرام اتفاق نهائى بشأن ذلك حتى الآن، كما سيتعين على الوزير الأمريكى أن يولى مزيداً من الاهتمام لـ«محور آسيا»، الذى يسكنه أكثر من نصف سكان العالم ويقع فى قلب الاقتصاد العالمى.