«أبومازن» ليس مفجرًا ولا حليفًا

جيهان فوزي الأحد 17-11-2013 21:11

زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس القاهرة الأسبوع الماضي، ولم تحمل الزيارة في طياتها برنامج عمل محددًا أو أجندة ملفات عالقة مثل ملف المصالحة الفلسطينية، كما ردد البعض في وسائل الإعلام، فقد جاءت الزيارة بحسب مصادر وثيقة الصلة تضامنية لإظهار الموقف الفلسطيني المؤيد لما جرى يوم 3 يوليو.
 
لم تكن الزيارة محاولة من أبومازن للعب دور الوسيط بين مصر والعالم الخارجي كما قيل، فهذا كلام مرسل عار من الصحة، لأن عباس يعرف تماما حجم مصر ومستوى العلاقات الأمريكية المصرية، بغض النظر عن طبيعة السلطة الحاكمة، وكل ما في الأمر أن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي كان قد طلب بالفعل من عباس إبلاغ تحياته للفريق أول عبدالفتاح السيسي فأوصل الرسالة، وقد كان هذا اللقاء والحديث الذى دار فيه سابقين على زيارة كيري للقاهرة بأسبوعين، ولم يكن القصد منه استعراض العضلات أو القدرة على لعب دور الوساطة.
لقد كان اللقاء الذى جمع أبومازن بالفريق السيسي وديا ومتفهما لمجريات الأمور في مصر ومتطلبات المرحلة الحرجة والحساسة التي تمر بها البلاد، والرئيس أبومازن يعرف جيدا أن مصر بحاجة الآن إلى اعتراف المزيد والمزيد من الأطراف العربية والدولية بطبيعة التغيير الذى حصل فيها بعد 30 يونيو، وكان قد بادر منذ اللحظة الأولى إلى تأييد ما جرى، وحاول في هذه الزيارة أن يعلن موقفا حاسما ومبادرا، فلم يكن هناك أجندة للقاء لأنه كان لقاءً تضامنيًّا فقط.
 
ليس دفاعا عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولكن لإيضاح صورة ملتبسة يشوبها التشويه دون تحري الدقة في المعلومات، فالمبدأ العام الذى يحكم أبومازن في علاقاته الخارجية هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية مهما علا شأنها أو قل وزنها، وربما يعزز هذه الفرضية في معرض رده على سؤال للتليفزيون الأردني قبل يومين حول عودة أفيجدور ليبرمان كوزير خارجية لإسرائيل، قائلا: «رغم كل الصفات السيئة التي يتمتع بها ليبرمان، فنحن نتعامل معه الآن كوزير خارجية إسرائيل بغض النظر عن وجهة نظرنا فيه»، فإذا كان الرجل يتعامل مع إسرائيل بهذا الشكل، فكيف لا يتعامل مع مصر بالطريقة ذاتها بما تحمل هذه العلاقة من خصوصية ومتانة، وهذا يرد على ما تردد من الخطاب المسرب الموجه لمرسي فترة حكمه، إذ كان على أبومازن الإقرار بالأمر الواقع بعد انتخاب مرسي رئيسا لمصر بغض النظر عما إذا كان يحب أو يكره ذلك أو يتعارض مع المصالح المتقاطعة بين الطرفين.
 
وطوال فترة حكم المعزول كان واضحا تماما فتور العلاقة بين السلطة القائمة في مصر والسلطة الفلسطينية، مثلما كان واضحا حجم الود والتماهي بين مرسي وحركة حماس، وكان أبومازن يعلم تماما حجم الانحياز الإخواني لحماس، ومع ذلك كان يدرك أن مصر بوزنها وتأثيرها الإقليمي الكبير لا يؤثر على سياستها الخارجية أى تفاعل أيديولوجي أو عقائدي، ويعرف أن عليه التعامل بهدوء وحذر مع موقف السلطة الإخوانية الجديدة، وربما يشهد كل من حضر مقابلة الرئيس الفلسطيني مع الرئيس المعزول محمد مرسي كم كان اللقاء فاترا وغير ذى نتائج فاعلة على مستوى العلاقات السياسية المشتركة بين الطرفين خاصة أن لمصر دورا محوريا في هذه العلاقة، والتى شابها الفتور طوال فترة حكمه حتى إن الحراك الدبلوماسي الذى كان مفترضا أن يتجه إلى رام الله بحكم البروتوكولات الدبلوماسية، كان ينحرف عن المسار دوما وتكون زيارات مسؤولي الحكومة في عهده من نصيب حكومة حماس المقالة في غزة.
 
ولا نذيع سرا عن فحوى اللقاء الذي جمع بين مرسي وأبومازن، فقد عبر عنه عباس شخصيا في المقابلة التي أجراها مع قناة سي بي سي حينما قال إنه حذر  الرئيس المعزول محمد مرسي من تلك المشاريع الإسرائيلية المتعلقة باقتطاع 1600 كم مربع من سيناء ليتم إحلال اللاجئين الفلسطينيين فيها عند الوصول إلى تسوية مع إسرائيل، وقد فوجئ أبومازن عندما سأله مرسي كم عدد سكان غزة، فرد عليه مليون ونصف المليون، فقال مرسي: نسكنهم في شبرا، ويقول أبومازن تعليقا على هذا الموقف الغريب: «لا أعرف إذا كان جهلا منه أم أنه تواطؤ».
 إن محمود عباس يدرك جيدا المرحلة الجديدة التي دخلت فيها البلاد، وهذا لا يعني بالضرورة تراجع الملف الفلسطيني وإن تأخر البحث فيه، فالقضية الفلسطينية هي عصب الأمن القومي العربي كله شئنا أم أبينا.