ماسبيرو.. الهرم العائد

فاطمة ناعوت الأحد 20-10-2013 21:14

أقفُ أمام هذا الصرح العظيم، فأشعر بالفخر لأن أولَ تليفزيون حكومىّ فى أفريقيا والشرق الأوسط: مصرىٌّ. أجلسُ على ضفّة النيل، وأُنصتُ إلى كلِّ إشارة بثّتها أعمدةُ موجاته منذ عام 1960، حين احتفل عبدالناصر بالعيد الثامن لثورة يوليو، وحتى الأمس، حيث يحتفل المصريون بأعياد أكتوبر وتحرير مصرَ من صهيون، ثم من «حسن البنا» وأزلامه. الصرح الذى أخذ اسمَه من «جاستون ماسبيرو»، عالِم المصريات الفرنسى، رئيس هيئة الآثار المصرية، الذى أحبَّ مصرَ، ودرس تاريخَها، وحافظَ على آثارها، أكثر من مصريين كثيرين، للأسف.

انحازت شاشةُ ماسبيرو للحاكم، دون الشعب، عقودًا طوالا، فتصاعد الحزنُ داخلنا، حتى أسقطناها من حساباتنا تمامًا، وتحوّلت عيونُنا إلى شاشات القنوات الخاصة. واليوم، عادت شاشتُنا إلينا، وانحازت للشعب. ربما لأن الحاكم والشعب، لأول مرة، «إيد واحدة». لكننا نطمع فى أن تظلَّ شاشتُنا لنا، وإن اختلفنا مع الحاكم، اليومَ أو بعد مائة عام. لهذا طالبنا بإلغاء «وزارة الإعلام»، لكى يكون ولاءُ التليفزيون للشعب، لا للحاكم. ولهذا فرحنا لأن آخرَ وزراء الإعلام فى مصر، سيدةٌ رفيعة الثقافة، «درية شرف الدين»، تحاول الآن أن تُنقّى هذا الصرح الهائل من الفيروس الإخوانى السابق، ومن الفيروسات الأسبق. وهذا انحيازٌ للشعب، مثلما انحاز رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، «عصام الأمير»، لأبناء وطنه، صافعًا دويلة الجاز والألغاز: «قطر».

حين يدعونا اليومَ التليفزيون المصرى ضيوفًا على شاشته- نحن الكتّاب الواقفين دائمًا على يسار الحاكم، لا يمينه- نُلبّى الدعوةَ بفرح، عكس ترددنا أو رفضنا فى العهود السابقة، حين كان الظهور على تلك الشاشة بمثابة «علامة استفهام» فى تاريخنا. لكننا نحزن حين نقارن الإمكانيات المادية الضعيفة فى ماسبيرو بإمكانيات قنوات خاصة وليدة، عمرها عامٌ أو عامين، يتجلّى ثراؤها فى الكاميرات الأحدث والاستوديوهات المجهزة وميزانيات محترمة للإعلاميين والمراسلين والفنيين والضيوف، وأسطول سيارات يجلب الضيوف من منازلهم فى مقابل ثلاث سيارات متهالكة لدى التليفزيون المصرى العريق!

لو كنتُ رجلَ أعمال ثريًّا، لمددتُ يدى الصغيرة لتسند حجرًا فى هذه الهرم الذى عاد إلينا بعد غياب. فالمهمة أمامه اليوم شاقةٌ: تنوير العقول. هى مرحلة «الجهاد الأعظم»: محاربة الجهل واستعادة القيم والجمال والعلم، بعد «جهاد أصغر» أسقط نظامين: أحدهما فاشٍ، والآخر فاشٍ وخائن وفاسد ولصّ. أزورُ أوروبا، فأغارُ من نظامها ونظافتها واحترامها القانونَ، وحقوق الأقلياتِ، المرأة والمسنّ والمعوق والطفل والحيوان؛ وأتمنى مثل هذا فى بلادى. وأزورُ القنوات الخاصة، فأغارُ من رخائها، وأتمنى مثل هذا فى تليفزيون بلادى. يا رجالَ الأعمال الشرفاء، مدوا أياديكم للهرم الرابع، فهو الآن: «مصرىٌ».

f.naoot@hotmail.com