مناظرة جمعتنى بالدكتور مروان الأحمدى، خبير العلاقات الزوجية، حول حقوق المرأة، فى برنامج «بنات البلد» على قناة «الحياة». «الخبير» ينادى بعودة المرأة إلى البيت وعدم مزاحمة الرجال فى أرزاقهم. لأنها، أولاً، لا تمتلك مقوّمات الرجل، وثانيًا أن فى خروجها من بيتها مهانةً وانعدام كرامة، فهى لم تُخلق إلا لتربية الأطفال وخدمة الزوج!
صدمتى جاءت على مستويات ثلاثة. أولا: أن أصواتًا تنادى بعودة «الحرملك»، مازالت تُسمع فى الألفية الثالثة. وثانيًا: أن يأتى هذا الصوت من «خبير» فى شؤون الزواج، ليذكّرنا بترزية الفتاوى ممَن لفظهم الشعبُ المثقف، مثل «أبوإسلام» الذى يفخر بأن أمَّه كانت تشرب بولَ أبيه!! أما ثالثة الأثافى، فهى أن ينتمى هذا الصوت الرجعىّ لبلد علّمَ الدنيا احترامَ المرأة، فجعلَ منها فى الحضارة المصرية القديمة ملكةً وأميرة وطبيبةً وعالِمةً وقائدة جيوش (حتشبسوت)، وفى ميثولوجيانا الفرعونية جعلها ربّةً للحكمة والعدالة والفضيلة (ماعت وإيزيس)، وفى عصرنا الحديث كانت ثانى كابتن طيار فى العالم هى المصرية «لطيفة النادى» عام 1933. واليومَ، أول قُبطان(ـة) بحرى(ـة) فى العالم العربى، شابةٌ مصرية حسناء اسمها «مروى السلحدار»، وبين هذه وتلك باقاتٌ نسائية مشرقة لا حصر لهن.
يعود بنا الأحمدى إلى مقولة عجيبة يرددها الوهابيّون فى تبريرهم حجب المرأة عن الحياة قائلين: «المرأةُ قطعة حلوى نحميها من الذباب»! فإن اعتبر أولئك أنفسَهم «ذبابًا» يحفُّ فوق الحلوى مثلما يُحوّم حول الجِيَف، فإننا لا نقبل هذا فى مصر العريقة. فرجالنا محترمون، ليسوا ذبابًا، ونساؤنا جميلاتٌ، لسن قطعَ حلوى.
حكينا للخبير عن «الشفاء بنت عبدالله»، الصحابية المثقفة التى كان الرسول (ص) يزورها ويستهدى برأيها، وطلب منها أن تُعلّم زوجتَه «حفصة» القراءةَ والكتابة، وعن السيدة عائشة التى أفتت المسلمين أربعين عامًا بعد موت الرسول، فقال: «نساؤنا لسن كأولئك النساء»! فحدثناه عن مارى كورى وفرجينيا وولف وهيباثيا والأم تريزا وتهانى الجبالى، وغيرهن الملايين من فرائد النساء، فقال: «إن كانت مثل أولئك، خرجت»! فهل لو «كنّا» منعنا أولئك العظيمات من الخروج والتعلّم وهن صغيرات، أكنّا عرفناهنّ رموزًا سامقات؟! وهل صنع اللهُ «باترونًا» خاصًّا لبعض النساء، بينما حرم بقيةَ النساءِ العقلَ والفطنة والذكاء!
هذا «الخبير» وغيره من العنصريين المُستصغرين شأنَ المرأة، هم ضحايا درس القراءة فى أولى ابتدائى: «أمى تكنسُ الدار، أبى يذهب إلى العمل». هى الثقافةُ التمييزية الضحلة التى نودُّ أن نتعالج منها ونُشفى، فى عهدنا الجديد. عاشتِ المرأةُ المصريةُ عظيمةً تبنى وتُشيّد مجدَ مصرَ.