«السيسي» في ذكرى ميلاده.. «جنرال التفويض» على خط النار (بروفايل)

كتب: معتز نادي الإثنين 18-11-2013 22:25

تنطلق الأيادي مُصفقة وتعلو البسمات الوجوه مُرحبة، ويصطف قادة الجيش مؤيدين لكلمات المسؤول الأول والأخير عنهم، والسبب أنه يريد تفويضًا من المصريين «الشرفاء الأمناء»، للنزول إلى الميادين.

يقف عبدالفتاح السيسي، الذي يحتفل بميلاده في 19 نوفمبر من كل عام، والذي يواكب ذكرى أحداث اشتباكات شارع «عيون الحرية»، والمعروف باسم «محمد محمود»، مخاطبًا الشعب ليحدد سببًا لمطلبه، بعدما استجاب لأمر الملايين في «30 يونيو»، فتم عزل محمد مرسي، الذي أتى به على قمة الجيش، فيسأل: «ينزلوا ليه؟»، ثم يجيب: «عشان يدوني تفويض وأمر إني أواجه العنف والإرهاب المحتمل».

«جنرال» على خط النار

مجرد الحديث عن «الجنرال»، الذي درس بكالوريوس العلوم العسكرية عام 1977، يجعلك تسير وسط حقل ألغام، فإذا أثنيت على تحريره لمصر من قبضة جماعة الإخوان المسلمين، فستنفجر في وجهك صيحات أنصار الرئيس المعزول وأعوانه، مرددة أنك «انقلابي»، وإذا قلت إنه الحاكم الفعلي للبلاد ويتمتع بنفوذ يحميه من أي محاسبة على من سقطوا قتلى عقب عزل مرسي، فستلتهمك آراء ترى أنك «طابور خامس» يسعى للنيل من سلطة عسكرية لها تقدير واسع لدى عموم المصريين.

وبالتالي فهو ومن يشير إليه في مواجهة دائمة على خط النار لإثبات أنه على حق، لأنه في النهاية مستعد للحساب أمام الله والشعب.

أكمل «السيسي»، الذي ولد عام 1954، دراساته العسكرية العليا بحصوله على ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان، عام 1987، وبعدها نال ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان البريطانية، عام 1992، ثم حصل على زمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية ناصر العسكرية العليا، عام 2003، وزمالة كلية الحرب العليا الأمريكية، عام 2006.

اللغم الصامت

هدوء «السيسي» لا يعني سكون المشهد السياسي من حوله، فبعد تعيينه في 12 أغسطس 2012، وزيرًا للدفاع، ظهرت أصوات مراقبة لهذه الخطوة معتبرة أنها تنهي آخر وجود لـ«سُلطة مبارك» ممثلة في وقف خدمات المشير محمد حسين طنطاوي، الرئيس السابق للمجلس العسكري، ونائبه، الفريق سامي عنان، بينما خشى الآخرون من سيطرة مرسي وجماعته على الجيش إثر هذا القرار.

لكن «السيسي» بعد أقل من عام استجاب لـ«نداء الغاضبين» من مرسي، وتخطى لغم ارتباطه بـ«الإخوان» من عدمه، كما ردد البعض، وكانت له اليد الطولى عليهم، وأنذر المعزول فمنحه مرة مهلة لمدة 7 أيام، وأخرى مدتها لا تجاوز 48 ساعة، لكن المرشح الاحتياطي للجماعة لم يستمع سوى لكلمة «شرعية»، فكان عزله بأمر الشعب والجيش.

يصمت بحكم اعتياد شخصيته، التي تولت إدارة المخابرات الحربية، ثم يختص «المصري اليوم» بسلسلة من الحوارات، وقت الاحتفال بمرور 40 عامًا على نصر أكتوبر، يؤكد خلالها أنه انفجر في وجه جماعة «الإخوان» بحديثه إلى مهندس تنظيمها، خيرت الشاطر، قائلًا: «إنتم عايزين يا تحكمونا.. يا تموتونا».

احتفال واستغلال

احتفال «السيسي» بعيد ميلاده هذا العام يأتي وهو يملأ السمع والبصر ويتواكب مع إحياء عام ثانٍ لاشتباكات «محمد محمود»، التي أصبحت فعالياتها بين «الذكرى والاستغلال»، بين وزارة داخلية تحتفي بذكراها، وبين «ثوار» يسعون لمحاسبة مجلس عسكري عن سقوط العشرات من الشهداء والمصابين، الذين من بينهم مَن فقد نور عينيه بسبب حفاوة جنود بقناص تحت شعار «جدع يا باشا».

 

شغل «السيسي» وظائف عدة داخل الجيش، منها رئيس فرع المعلومات والأمن بالأمانة العامة لوزارة الدفاع، قائد كتيبة مشاة ميكانيكي، وملحق دفاع بالمملكة العربية السعودية، وقائد لواء مشاة ميكانيكي، وقائد فرقة مشاة ميكانيكي، ورئيس أركان المنطقة الشمالية العسكرية، ثم أصبح قائدًا لتلك المنطقة.

 

الطريق إلى عرش مصر

«عندما يذكر أحد اسمي بجانب اسم الزعيم عبدالناصر.. أقول دائمًا يا رب أكون على قدر هذه الثقة».. كلمات مختصرة يرد بها «السيسي» على سؤال «المصري اليوم» عما يشعر به خلال رؤيته لصور الرئيس الراحل مرفوعة بجوار صوره، بل يضيف أمام قبر عبدالناصر أنه «سيظل نموذجًا في الكفاح والتضحية».

وهو ما يجعل المستمع لخطابه يرجع بذاكرته إلى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لربط كاريزما «السيسي» بشخصية عبدالناصر، بل يرى في الاثنين شخصًا واحدًا متفقًا على إقصاء ما يريانه خطرًا من «الإخوان» يضر بمصلحة مصر، وهو ما يجعل عددًا من محبيه يخرجون من أجله تحت شعار «كمل جميلك» داعين إياه لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، فيرى أن مجرد السؤال حول ترشحه «أمر عظيم وجلل».

ويعتبر مراقبون أن ترشح «السيسي» للرئاسة سيثير الكثير حوله، فالبعض يريده «بطلًا شعبيًّا» وكفى، وفريق ثانٍ لا يريد له أن يمنح «الإخوان» حجة أنه أطاح برئيسهم من أجل الجلوس على عرش مصر.

وعندما سئل الأستاذ محمد حسنين هيكل عن الأمر، قال: «.. أعود إلى بيت شعر: (كفارس تحت الغبار لا يستطيع الانتصار ولا يطيق الانكسار)، فالقوة الحقيقية موجودة في القوات المسلحة، وهناك معضلة حقيقية موجودة أمامنا، فنحن لا نريد أن نرى مرة ثانية اللقب في مكان، والقوة في مكان آخر»، بينما يرى الكاتب البريطاني البارز روبرت فيسك، أن على «السيسي» الحذر «لأن مصر مكان خطر للحكم».

واستشهد «فيسك» بـ«الملك فاروق المخلوع، عام 1952، ووضع الجنرال محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية من قبل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ثم موت عبدالناصر بأزمة قلبية، عام 1970، ثم مقتل الرئيس الراحل أنور السادات بالرصاص لصنع السلام مع إسرائيل، وانتهاء المطاف بالرئيس السابق حسني مبارك للمحاكمة بعد ثورة يناير 2011 وذهاب خليفته أيضًا مرسى إلى المحاكمة».

ولا يمتنع «الجنرال» عن الإعلان صراحة أن «الوقت غير مناسب الآن لطرح هذا السؤال (الترشح للرئاسة)، في ظل ما تمر به البلاد من تحديات ومخاطر تتطلب منا جميعًا عدم تشتيت الانتباه والجهود بعيدًا عن إنجاز خطوات خارطة المستقبل، التي سيترتب عليها واقع جديد يصعب تقديره الآن»، لكنه يصمت في حديثه مع «المصري اليوم»، ويقول: «الله غالب على أمره».