ـ التقت «المصرى اليوم» عدداً من شباب المركب «خميس غازى» بعد إنقاذهم وعودتهم إلى مطروح سالمين وتحدثوا عن رحلة الموت التى عاشها الشباب والتى استمرت 144 ساعة فى عرض البحر أثناء هجرتهم إلى أوروبا بطريقة غير شرعية.
يقول مصطفى سعد عبده، 17 سنة، «الدقهلية»: خرجنا ليلة العاشر من رمضان من مصيف بلطيم وكنا حوالى 10 أشخاص من الدقهلية أغلبنا مزارعون أو على باب الله، وتم تجميعنا ليلا بميكروباص عند نقطة حددها السماسرة، الذين اتفقوا مع أهالينا على أخذ 40 ألف جنيه عن كل فرد يدفع 10 آلاف قبل السفر والباقى بعد وصولنا إيطاليا.
ويكمل مصطفى السيد سالم، 19 سنة، من الدقهلية: توجهنا بعد نزولنا من الميكروباص ليلاً إلى شاطئ مصيف بلطيم وانتظرنا زورقين صغيرين لنقلنا فى عرض البحر إلى المركب الذى سوف يقلنا إلى إيطاليا، وبعد وصولنا إليه وقع فى نفسى خوف شديد منه وصعدنا المركب فى الليل وكنا آخر دفعة تصل ووجدنا على ظهر المركب أكثر من 80 شاباً آخرين يبدو أنهم من محافظات أخرى.
وعن توقيت السفر فى رمضان يقول محمد وائل، 20 سنة، من الدقهلية إن السمسار ومساعديه قالوا لنا سنحدد موعداً للسفر نبلغكم فيه قبلها وسوف يكون فى رمضان لانشغال أجهزة الدولة فى الشهر الكريم.
ويضيف: فى اليوم الأول طلب منا طاقم المركب والريس ألا نتحدث مع بعضنا البعض وأن تظل كل مجموعة معاً وسوف يوزع علينا الطعام يوماً بيوم، وقال لنا إن مدة الرحلة أسبوع فى مياه البحر الأبيض المتوسط ولن تستغرق أكثر من ذلك وبعدها سنجد أنفسنا فى إيطاليا، وطلبوا منا ألا نتحرك من مكان نزولنا الذى يطلقون عليه «التخزين» لحين الاتصال بذوينا للاطمئنان على وصولنا وحتى تسليم السمسار ومساعديه باقى المبلغ 30 ألف جنيه.
وعن طعامهم وشرابهم ومعاملة طاقم المركب لهم، أكد محمد عبدالسلام «22 سنة»، من الدقهلية، أن طعام اليوم كله عبارة عن رغيف عند الإفطار، عندما يأتى الغروب، ورغيف عند المساء بعد الإفطار بأربع ساعات أو خمس على الأكثر، وكان بالرغيف إما بيضة أو بصلة أو ثمرة واحدة من البطاطس المسلوقة، وكنا نتقاسم البطاطس إذا كانت كبيرة الحجم على «نفرين».
أما بالنسبة لشرب المياه فكان ضئيلاً جداً رغم الحرارة الشديدة التى داهمتنا طوال نهار الرحلة تقريباً، وكانت المياه توزع علينا ساعات فى «حلل» أو فى أوانٍ بلاستيكية فارغة ويتم توزيع أنصبة المياه على عدد كبير من الشباب بكميات صغيرة لا تكفى حاجتنا، خاصة مع العطش والحر والصوم.
وعن الصوم أثناء الرحلة، يقول إن أكثرنا كان يرفض الإفطار رغم قسوة حرارة الشمس وقلة الأكل والشرب.
ويضيف مصطفى سالم أن الطعام بعد يومين قل بنسبة كبيرة، إذ كان تقريباً نصف الكمية التى نحصل عليها فأصبح نصيب الواحد منا فى اليوم كله رغيفاً واحداً من الخبز، ويبدو أن طاقم المركب كان لا يتوقع هذا العدد الكبير من المهاجرين فلم يوفر الطعام لكل هذا العدد.
ويشير محمد سعيد عبده إبراهيم، إلى حدوث كسر فى أحد أعمدة موتور المركب بعد اليوم الأول، مما أدى إلى تباطؤ سيره وبدأ إحساسنا بالوقت يطول، وفى اليوم الثانى ظهر تسريب مياه من قاع المركب ولكن بشكل بسيط، شعرنا معه بالرعب والخطر، إلا أن محمد فتحى، ريس المركب، أخذ يطمئننا ويقول لنا «ماتخافوش، حنصلح الموتور وحنوصل بالسلامة»، ولكن الأمر ازداد سوءا وتزايد الثقب فى قاع المركب وأيقن الجميع أننا هالكون لا محالة، وبدأ الجميع فى قراءة ما يحفظه من القرآن الكريم.
وأكد مصطفى محمود محمود «23 سنة»، من الشرقية، أنهم طلبوا من ريس المركب حينما تأكدوا أنه لا يعمل، أن يرسل استغاثة لأى مركب قريب لإنقاذنا من الغرق، وكنا وقتها أمام سواحل جزيرة كريت بأميال قليلة، فرفض ريس المركب لخوفه من السلطات الأمنية فى كريت.
ويقول حمادة حسن شحاتة «21 سنة»، من إدكو بالبحيرة: «إن الوقت كان يمر ببطء فى الليل وشفنا الويل فى الظلام ومرت علينا الدقائق كأنها أيام، وتخيلنا أنفسنا فى المياه جثثاً تأكلها الأسماك ولم نتصور أن يتم إنقاذنا».
ويضيف محمود مصطفى أحمد «22 سنة»، من الإسكندرية: «قضينا 144 ساعة فى صراع مع الموج والبحر والموت والرياح، كانت أصعب من الكوابيس، ثم بدأنا صراعاً جديداً مع الثقب الذى زاد فى الاتساع بشكل مخيف، وبدأ يقذف كميات من المياه داخل المركب جعلتنا نتأكد من أننا ميتين ميتين.. وتركنا المركب فى النهاية تتقاذفه الأمواج والرياح وطلبنا من ريس المركب أن يرسل أى إشارة لأى مراكب لإنقاذنا، إلى أن التقط الإشارة الخاصة بنا أحد مراكب شركة الملاحة البحرية وأبلغ القوات البحرية ونحن على بعد حوالى 375 ميلاً بحرياً غرب مطروح، وتم إرسال سفينة بحرية وعدد من اللنشات البحرية ومعها كميات من الماء والطعام والعصائر لكل من كانوا على المركب، ومجموعة من البطاطين كى نستدفئ بها بعد ست ليال من البرد والرعب».
وفى النهاية، أكد الجميع أنهم لا يتمنون الموت، لكنهم سيعيدون التجربة للبحث عن عمل يضمن لهم حياة كريمة، وأضافوا: «هذا أفضل مائة مرة من الحياة أموات داخل قرانا، نصحو وننام دون أمل فى الحياة».