مسرحية «الجبل».. رؤية نسوية بدوائر صوفية

كتب: أحمد الهواري الأحد 29-08-2010 18:13

في أقل من ساعة، هي مدة العرض، استطاعت مسرحية «الجبل» التي تعرض حاليا علي المسرح العائم بالمنيل أن تقنع مشاهديها أنها تستحق ثمناً مرتفعاً لتذكرة الدخول، لكن المفاجأة أن الدخول كان مجانيا، وأعداد الحضور كانت قليلة مما منح المشاهدين الاستمتاع الحقيقي بأحداث المسرحية التي تقدم في إطار فعاليات البيت الفني حتى يوم 26 رمضان.

تقدم «الجبل»، ـ المأخوذة عن رواية ليلة القدر لـ«الطاهر بن جلون» أعدها للمسرح «حاتم حافظ»، ـ معالجة لنصا روحانيا برع المؤلف في تكثيفه طوال مدة العرض، مما أشعر المشاهدين بسرعة الإيقاع الذي استحوذ علي كامل انتباههم رغم ابتعاد المسرحية عن الكوميديا.

وحملت المسرحية روحا نسوية قوية في تقديم مضمونها تراها في الجمل الحوارية من عينة "كل الرجال حمقي، أنت أحمق وأخوك أحمق وابن أخوك أحمق" التي تأتي علي لسان زوجة لزوجها الذي يقوم بدفن أخيه في المشهد الافتتاحي للمسرحية.

كما ترى هذه الروح في البناء الدرامي للشخصيات النسائية، حيث تتميز هذه الشخصيات بالفاعلية في الأحداث وتتحكم في مصيرها سواء كانت «زينب» بطلة العمل، التي تؤدي دورها الشابة «أمل عبد الله» أو أخت «القنصل» بطل المسرحية الأعمي، الذي أدى دوره «أحمد مختار» التي قررت أن ترفض العالم من أجل أن تبقى بقرب أخيها لرعايته، والتي لعبت دورها «نرمين كمال».

بالإضافة إلي أن الخط الدرامي الأصلي للعمل يأتي في إطار الرفض الذكوري للمرأة من خلال الأب، الذي جسد دوره «إيمان الصيرفي»، الذي يخفى عن الجميع أن زوجته أنجبت أنثي وليس ذكرا، «زينب»، فيقرر أن يقتل "الداية" ويقنع الجميع أنه أنجب ولدا لتعيش طفلته حتى موته في ثياب وأفعال الرجال.

ومع موت الوالد يظهر في «الجبل» بوضوح الخط الصوفي في النص كما كان موجودا علي خشبة المسرح منذ البداية في أداء جيد للمخرج «عادل حسان» الذي استطاع أن يحول فكرة "الدوائر" الرئيسية عند الصوفية إلي واقع علي المسرح مازجا بينها وبين النص المكتوب بشكل جيد.

فالمسرحية تدور أحداثها في دوائر تعود دائما إلي جثمان الرجل الميت الذي يسير كالطيف وابنته في ثياب الذكور تخبره "تذكر أن تخبر الله أنك زورت إرادته" عندما أخبر الناس أنها ذكر وأجبرها علي أن تعيش حياة الذكور. والممثلون طوال الوقت علي خشبة المسرح في حركة دائرية لا تتوقف ولا تشعر بها مفتعلة في نفس الوقت.

كما كانت الحالة الصوفية مجسدة بفرقة المولوية من خلال صوت «عامر التوني» الذي يشدو بين حين وآخر بأبيات لشيوخ الصوفية مثل «محيي الدين بن عربي» و«لسان الدين بن الخطيب» ودراويش الفرقة الذين ترواحت حركتهم الدائرية بين دوران رقصة المولوية الشهيرة حول مركز الراقص مع الإنشاد، وبين حركة دائرية بخطوات مثقلة حول دوائر معدة لهم في أركان المسرح الأربعة.

وكل هذه الحركة من قبل الممثلين وفرقة المولوية كانت تنتهي دائما في نفس النقطة حتى تعود المسرحية إلي نقطة البداية حول جثمان الرجل المسجى في انتظار من يرسله إلي القبر وكأن شيئا لم يحدث علي مدار ساعة من الزمن لتتجسد فكرة صوفية أخرى، فالجسد ساكن والعقل يطوف في رحلة دائمة للبحث عن الوصل، وصل الله والسعادة والحب.

تتجول الروح وتعود إلي الجسد الساكن تملآه من جديد فيثبت جنانه ويوقن العقل بقول الطيف «سيري إلي الأمام ولا تنظري إلي الندبة التي خلفتها ورائي".